تعد الملصقات الغذائية أداة أساسية تربط بين المعرفة العلمية والقرارات التغذوية للمستهلكين حيث تمثل الواجهة الأولى التي يطلع عليها المستهلك عند اختيار المنتجات الغذائية. وتلعب هذه الملصقات دورا محوريا في توجيه اختيارات المستهلكين وتعزيز الوعي الغذائي مما يسهم بشكل مباشر في تحسين أنماط الحياة الصحية.
في سياق منتجات الألبان التي تعد من المصادر الغنية بالعناصر الغذائية الأساسية تمثل الملصقات الغذائية أداة فعالة في تحقيق التوازن بين الفوائد الصحية والتحكم في المكونات ، شهدت الملصقات الغذائية تطورا كبيرا في السنوات الأخيرة بفضل التقدم العلمي والتطورات التشريعية و الاهتمامات المتزايدة بالشفافية والجودة الغذائية من قبل المستهلكين.
ومع تصاعد الاهتمام العالمي بالأمراض المزمنة المرتبطة بالنظام الغذائي أصبحت الملصقات الغذائية أداة فعالة لتعزيز الصحة العامة وتوجيه اختيارات أكثر وعيا بين الخيارات المتنوعة في السوق.هذا التوجه لا يقتصر فقط على توفير معلومات دقيقة للمستهلكين بل يمتد إلى الابتكارات الرقمية مثل استخدام الرموز الذكية. والملصقات التفاعلية التي تمنح المستهلكين إمكانية الوصول إلى معلومات غذائية موسعة وهو ما يعزز من قدرة الأفراد على اتخاذ قرارات غذائية مدروسة.
يستعرض هذا المقال الملصقات الغذائية لمنتجات الألبان بدءا من المعايير التنظيمية العالمية والمحلية وصولا إلى الابتكارات التكنولوجية الحديثة. وتأثير هذه الملصقات على سلوك المستهلك والصحة العام ويسلط الضوء على التحديات المستمرة مثل الفجوات في فهم هذه الملصقات والأفاق المستقبلية.
الإجراءات التنظيمية والمعايير
تخضع الملصقات الغذائية لمنتجات الألبان لمعايير محلية ودولية والتي تهدف إلى ضمان توفير معلومات غذائية دقيقة وشفافة للمستهلكين. حيث يفرض قانون وضع العلامات الغذائية والتثقيف الغذائي (NLEA) إدراج معلومات تشمل السعرات الحرارية والمغذيات الكبرى مثل الدهون والبروتينات بالإضافة إلى الفيتامينات والمعادن لكل حصة غذائية. كما يتضمن نموذج “حقائق التغذية” المحدث لعام 2016 مكونات إضافية مثل السكريات المضافة ويعرض النسب المئوية للقيم اليومية استنادا إلى الإرشادات الغذائية الأحدث.
وفي الاتحاد الأوروبي تشترط لائحة معلومات المستهلك الغذائية أن تشمل الملصقات تفاصيل شاملة مثل الطاقة، الدهون، الدهون المشبعة، الكربوهيدرات، السكريات، البروتين، والملح، بناءً على وحدة الوزن أو الحجم (100 جرام أو 100 مل). وتضع هذه اللوائح معايير دقيقة تهدف إلى تحقيق الشفافية في المنتجات الغذائية ومنتجات الألبان بشكل خاص.
على المستوى الدولي تقدم مدونة الأغذية “كودكس أليمنتاريوس ” إرشادات للملصقات الغذائية تضمن توحيد المعايير بين الدول مما يساعد على تسهيل التجارة وتحقيق أقصى استفادة صحية للمستهلكين. (FAO/WHO, 2020).
مكونات الملصقات الغذائية لمنتجات الألبان
تشمل الملصقات الغذائية لمنتجات الألبان مجموعة من المعلومات الأساسية التي تهدف إلى إبلاغ المستهلك بالتركيب الغذائي للمنتج وتتمثل في:
– اسم المنتج: يجب أن يوضح نوع المنتج بوضوح (مثل: حليب كامل الدسم، زبادي خالي الدسم).
– قائمة المكونات: تُعرض المكونات بترتيب تنازلي حسب الوزن.
– الحقائق الغذائية (Nutrition Facts): تشمل معلومات عن:
• السعرات الحرارية
• البروتين
• الدهون (بما في ذلك الدهون المشبعة والمتحولة)
• الكربوهيدرات (بما في ذلك السكريات)
• اللاكتوز (في بعض المنتجات)
• الكالسيوم والفيتامينات (مثل D وB12)
– الحساسية والمسببات المحتملة: يشمل تحذيرات مثل “يحتوي على الحليب” أو قد يحتوي على آثار من الصويا أو المكسرات .
– تاريخ الإنتاج والانتهاء: يساعد في ضمان سلامة المنتج وجودته.
– رمز الدفعة (Batch Code): مهم للتتبع في حالة وجود مشاكل صحية تتعلق بالمنتج.
– التخزين والتعليمات: توضح طرق الحفظ المثلى.
بالإضافة إلى ذلك قد تتضمن الملصقات بعض الادعاءات الوظيفية مثل “خالي من اللاكتوز” أو “عالي البروتين” خاصة في منتجات الألبان المتخصصة مثل الحليب الخالي من اللاكتوز أو الزبادي عالي البروتين (EFSA, 2012).
الابتكارات في الملصقات الغذائية
– ملصقات الواجهة الأمامية (FOPL)
تحظى ملصقات الواجهة الأمامية بشعبية متزايدة نظرا لتأثيرها الواضح على تحسين فهم المستهلك للمنتجات الغذائية. تعتمد بعض الدول مثل المملكة المتحدة على نظام الإشارات الضوئية الذي يعرض مؤشرات ملونة لقياس مستويات الدهون، الدهون المشبعة، السكريات، والملح مما يساعد المستهلكين على تحديد المنتجات الأكثر صحية بسرعة.
كما يعرض نظام Nutri-Score في فرنسا والاتحاد الأوروبي تقييما غذائيا يتراوح من A (الأكثر صحة) إلى E (الأقل صحة) مما يسهل على المستهلكين اختيار المنتجات الصحية.
– الملصقات الرقمية والرموز الذكية (QR)
تتجه صناعة الألبان نحو دمج التقنيات الرقمية في الملصقات عبر استخدام رموز QR التي تتيح للمستهلكين الوصول إلى معلومات غذائية موسعة بما في ذلك المكونات الدقيقة والتحليلات الصحية وأحيانا بيانات الاستدامة المتعلقة بالمنتج. تتيح هذه التقنية للمستهلكين اتخاذ قرارات غذائية أكثر وعيا بناءً على معلومات شاملة تتجاوز ما هو معروض على العبوة .
– ملصقات “النظافة” والادعاءات حول قلة المعالجة
يزداد الطلب على منتجات الألبان النظيفة التي تركز على المكونات الطبيعية والحد الأدنى من الإضافات الاصطناعية. يشير هذا التوجه إلى أن المستهلكين أصبحوا أكثر وعيًا بالمواد المضافة والتكنولوجيا المستخدمة في إنتاج الغذاء. لهذا يتزايد ظهور ادعاءات حول قليل المعالجة أو خالي من الإضافات في الملصقات مما يؤثر على قرار المستهلكين في اختيار المنتجات الطبيعية.
– تأثير الملصقات على سلوك المستهلك والصحة
تظهر الدراسات أن للملصقات الغذائية تأثيرا واضحًا على اختيار الطعام وأنماط الاستهلاك. وتشير التحليلات إلى أن الملصقات الواضحة ترتبط ب :
• تقليل استهلاك الدهون المشبعة والسكريات المضافة
• زيادة اختيار خيارات الألبان قليلة الدسم أو المدعمة
• تحسين ملفات استهلاك العناصر الغذائية لدى البالغين والأطفال على حد سواء (Cecchini & Warin, 2016)
ومع ذلك لا تزال هناك تحديات فيما يتعلق بفهم الملصقات خاصة عبر مستويات التعليم والفئات الاجتماعية والاقتصادية المختلفة. وتظل حملات التوعية للمستهلكين أمرا حاسما لتعظيم فاعلية الملصقات وتعزيز قدرة المستهلكين على تفسريها وفهما بشكل صحيح.
التحديات والآفاق المستقبلية
رغم التطور الكبير في أنظمة الملصقات إلا أن هناك تحديات قائمة منها:
• صعوبة فهم بعض المصطلحات العلمية
• احتمالية التضليل باستخدام عبارات تسويقية
• عدم دقة بعض البيانات نتيجة التلاعب أو الخطأ
• التفاوت في المعايير بين الدول قد يعيق حركة التجارة ويسبب ارتباكا للمستهلكين الذين ينتقلون بين الأسواق المختلفة.
• الفجوة الرقمية قد تحد من قدرة بعض المستهلكين على الاستفادة من المعلومات الرقمية المتاحة عبر الرموز أو التطبيقات.
• الادعاءات الصحية المضللة مثل “قليل الدسم” أو “صحي” قد تضلل المستهلكين.
تعد الادعاءات الصحية المضللة من أبرز التحديات التي يواجهها المستهلكون عند اختيار المنتجات الغذائية. على الرغم من أن العديد من المنتجات قد تحمل مثل هذه العبارات فإن هذه العبارات قد تكون مضللة إذا لم يتم فهمها بشكل صحيح أو إذا كانت لا تعكس الصورة الكاملة للقيم الغذائية للمنتج.
تسعى العديد من الهيئات التنظيمية مثل إدارة الغذاء والدواء (FDA) ومنظمة الصحة العالمية (WHO) إلى تنظيم هذه الادعاءات ووضع معايير واضحة بحيث لا يتم استخدامها بشكل مضلل. ولكن في كثير من الأحيان تظل الثغرات في التنظيم تسمح للشركات باستخدام مصطلحات قد تكون غامضة أو مبهمة.
إن التأكيد على أهمية الشفافية في الإعلان عن المكونات الغذائية للمنتجات وضرورة أن يكون الملصق واضحًا في تحديد المكونات والخصائص الغذائية هو خطوة حيوية نحو ضمان أن يكون المستهلك قادرًا على اتخاذ قرارات غذائية صحيحة مبنية على معلومات دقيقة.
تعد الملصقات الغذائية لمنتجات الألبان أداة أساسية لتحسين الوعي الصحي للمستهلكين وتوجيه اختيارات غذائية أفضل. توفر هذه الملصقات معلومات دقيقة وموثوقة حول محتويات المنتجات مما يساعد الأفراد في اتخاذ قرارات غذائية مستنيرة. ومع تزايد الابتكارات في مجال التقنيات الرقمية مثل استخدام الرموز الذكية والملصقات التفاعلية بالإضافة إلى الأنظمة المعتمدة على معايير عالمية أصبح بالإمكان توفير معلومات غذائية أكثر تفصيلا ودقة للمستهلكين.
ومع ذلك يبقى من الضروري العمل على تعزيز الشفافية والتوعية لضمان أقصى استفادة صحية من هذه الأدوات. ويجب أن يتم تزويد المستهلكين بمعلومات واضحة ومفهومة تسهم في تعزيز صحتهم مع ضمان أن تكون الملصقات خالية من الادعاءات الصحية المضللة. في المستقبل من المتوقع أن تتطور الملصقات لتشمل أدوات تغذوية مخصصة تلبي احتياجات الأفراد المختلفة مما يسهم في تعزيز أسلوب حياة صحي ويحد من انتشار الأمراض المزمنة المرتبطة بالتغذية.*
د . ناهد عبد المقتدر الوحش
باحث أول بقسم بحوث الألبان
معهد بحوث تكنولوجيا الأغذية
أقرأ أيضًا
«زراعة كفر الشيخ » تحذر مزارعي الذرة من خطورة دودة الحشد الخريفية
«زراعة البحيرة» تستعد للتصدي لظاهرة حرق المخلفات الزراعية على الطرق
«زراعة الغربية» توجه مديري الإدارات ومفتشى الجمعيات بالتواجد على مدار الساعة لرصد المخالفات
المزيد
نهار جديد التنمية الزراعية المستدامة فى مصر 11 6 2025