أدت الحاجة المتزايدة للممارسات الزراعية الصديقة للبيئة إلى إستخدام الأسمدة الحيوية الميكروبية والتى أساسها الميكروبات المفيدة وهى تشتمل على مجموعة متنوعة من الكائنات الحية المجهرية الدقيقة التي يمكن أن تدعم نمو وتغذية النبات بآليات مختلفة مثل إمداده بالنيتروجين ومنها بكتريا الريزوبيا Rhizobiumو الأزوتوباكترAzotobacter و الآزوسبيرلا Azospirillum.
وتيسير الفوسفور بواسطة البكتريا الميسرة للفوسفور مثل الباسيللس ميجاثيريوم Bacillus megatherium والباسيللس بولى ميكساBacillus polymexa وأيضا بكتريا المكافحة الحيوية لبعض الفطريات الممرضة للنبات مثل السيدوموناس الفلوروسنتية Pseudomonas fluorescence. وفي هذا السياق .. فإن خفض استخدام الأسمدة الكيماوية مع زيادة تطبيق الأسمدة الحيوية والأسمدة العضوية مسار إجباري لتخفيف الضغط على البيئة المستمدة من الممارسات الزراعية. وهذا بالنسبة للأسمدة الحيوية.
يوجد كذلك اسمدة حيوية تستخدم فى المجال الزراعى ولكنها اسمدة عضوية حيوية. وهذه تعتمد على المعالجات الحيوية لبعض المخلفات مثل مخلفات المزارع والحقول والتى يصنع منها الكومبوست، وكذلك مخلفات مصانع الاغذية سواء سائلة او صلبة. وسيتم التركيز هنا على مخلف ماء عصر الزيتون والذى ينتج من معاصر الزيتون بعد استخلاص الزيت.
علما بأن معاصر الزيتون يتخلف عنها مخلفات صلبة (تفل الزيتون) تستخدم ككومبوست بعد كمرها ويتم استخدامها ايضا فى التسميد الحيوي وقد تستخدم كوقود كما تم دراسته فى احد الابحاث حيث يعتبر ثفل الزيتون مصدرًا قيمًا للطاقة المتجددة بكثافة طاقة تبلغ 23 ميجا جول/ كجم وأصبح بديلاً غير مكلف للوقود الأحفوري.
ويعتير ماء وتفل الزيتون من النفايات شديدة التلوث والسمية النباتية فى حالة عدم معالجتها. هذه النفايات لها تكاليف عالية للتخلص منها وتتولد في الغالب من المؤسسات الصغيرة التي لديها موارد مالية محدودة لمعالجتها بشكل صحيح قبل تصريفها في البيئة. إلى جانب كونها مشكلة بيئية خطيرة.
فإن لها قيمة اقتصادية محتملة ولا يزال يتم استخدامها نظرا لاحتواءها على مضادات الأكسدة والأحماض الدهنية اللازمة في النظام الغذائي للإنسان. ومن المعروف ان اكثر الدول المنتجة للزيتون هى دول حوض البحر المتوسط، نظرا لملائمة ظروفها المناخية لاحتياجات اشجار الزيتون.
تعد شجرة الزيتون من الأشجار المعمرة دائمة الخضرة وذات قيمة إقتصادية وبيئية هامه نظرا لاحتوائها على ثمار الزيتون التى يستخرج منها زيت الزيتون ذو الفوائد الصحية والغذائية العالية، فهو لايحتوى على الكوليسترول، وغنى بالاحماض الدهنية المفيده والفيتامينات، ويتم الحصول على الزيت بالطرد المركزى او بالضغط (الكبس)، والطريقة الأخيرة هى الاكثر شيوعا، وتعتبر مصر من دول حوض البحر المتوسط التى تمتاز بالمناخ المناسب لزراعة أشجار الزيتون.
*الإنتاج السنوى من الزيتون فى مصر يعادل 320000 طن، يصنع منه 80% لإستخدام المائدة (مخللات) و 20% لإنتاج زيت الزيتون. وعند عصر ثمار الزيتون ينتج مايلي:
عدم التخلص من مخلفات عصر الزيتون يسبب مشاكل بيئية واضرار
ينتج عن عملية عصر الزيتون لاستخراج الزيت، مخلفات صلبة وسائلة محتوية على مركبات فينولية ذات سمية نباتية، ونظرا لأن الكميات المنتجة من مخلفات عصر الزيتون كبيرة فكان لابد من التخلص منها بشكل آمن حتى لاتؤدى إلى أضرار بيئية أو صحية.
حيث ان عدم التخلص الصحيح من تلك المخلفات خاصة السائلة منها يؤدى الى تلوث الماء الجوفى والسطحى والتربة، كما أن الرائحة النفاذة لتلك المخلفات تجذب الحشرات وتضر بسكان المناطق المحيطة.
ونتيجة لارتفاع محتوى المخلف من المادة العضوية وال CODو ال BOD5 والفينولات الكلية فيصعب صرفه فى المجارى المائية. يحتوى المخلف المائى من عصر الزيتون وهو سائل ذا رائحه نفاذة ولون أسود، على عناصر ومركبات ذات فائدة مثل مضادات الاكسدة والبوتاسيوم وبعض الفيتامينات وغير ذلك.
نسبة البوتاسيوم تصل الى (1.1%). الفينولات يتم تكسيرها بواسطة الميكروبات المعزولة وتحولها الى مركبات ذات طاقه عالية مثل مضادات الاكسدة والاحماض الامينية والاحماض الدهنية والاحماض العضوية والهورمونات النباتية. يحتوى كذلك هذا المخلف على حمل ميكروبى عالى متنوع من الخمائر والاكتينومايسيتات والبكتيريا والفطريات.
لهذا تم عمل عديد من الدراسات لمعالجة المخلفات السائلة حيويا للإستفادة بها فى الأغراض الزراعية (كمخصب عضوي حيوى يزيد من إنتاجية المحاصيل)، كما يمكن الاستفاده من المكونات الفعالة بيولوجيا فى المقاومة الحيوية سواء للحشائش وتقليل منافستها للمحاصيل. اواستخدام المخلف فى المقاومه الحيوية للامراض الفطرية او البكتيرية للنبات.
وذلك اعتمادا على النسبة العالية من الفينولات الطبيعية بالمخلف. حيث يتم عمل مستخلصات عضوية من تلك الفينولات ومشتقاتها بتركيزات مختلفه وتستخدم فى المكافحه بكميات ومواعيد اضافة مدروسه.
يضعنا هذا الموضوع أمام مشكلة خطيرة عند التفكير بالمعالجة وإزالة السموم حيث أن جميع الحلول المتطورة مكلفة للغاية بالنسبة للبلدان النامية في الشرق الأوسط وشمال افريقيا مثل المغرب والجزائر وتونس حيث يتم التخلص من النفايات الناتجة في الأنهار والبحيرات أو إعادة استخدامها في الري.
مما يؤدي الى تلوث المياه الجوفية وإتخام البحيرات والأنهار والقنوات بالنفايات السائلة، وهذا بدوره يؤدي إلى تناقص أعداد النباتات المائية والأسماك وغيرها من الحيوانات بسبب النمو المفرط للطحالب. عند موت الطحالب وتحللها، فإن المستويات العالية من المواد العضوية والكائنات المتحللة تستنزف الأكسجين الموجود في المياه مما يؤدي إلى انخفاض أعداد الأحياء المائية.
الطرق المقترحة لعلاج تلك المشاكل
المشاكل المرتبطة بمعالجة مخلفات عصر الزيتون فى نطاق واسع على مدار الخمسين سنة الماضية. في الوضع السائد لتقنيات معالجة مخلفات معاصر الزيتون، فإن الصناعات لم تبد اهتماما ملحوظا لدعم أي عملية تقليدية (فيزيائية أو كيميائية أو حرارية أو بيولوجية) على نطاق واسع. ويرجع ذلك إلى ارتفاع تكاليف الاستثمار والتشغيل، وقصر فترة الإنتاج المتراوحة بين 3 إلى 5 أشهر فقط بالإضافة الى صغر حجم معاصر الزيتون.
وقد تم استخدام تكتيك مختلف ولكنه شائع للتخلص من مخلفات معاصر الزيتون ألا وهو جمعها والاحتفاظ بها في أحواض أو برك كبيرة حيث يتم تبخيرها وتجفيفها إلى مكون شبه صلب. وهذا سيضر بالهواء بسبب التخمرات والروائح الكريهه التى تجذب الحشرات وتضر بالسكان المحيطين بالمنطقه.
وفي البلدان الأقل تطورا، يتم التخلص من المخلفات الصلبة والسائلة ثم تفريغها في التربة حيث يتم نشرها على الأراضي المحيطة ومع مرور الوقت تتراكم هذه المركبات السامة في التربة، وتتغلغل بها، وتنتقل مع مياه الأمطار والسيول إلى المناطق المجاورة الأخرى، مما يؤدي الى نتائج خطيرة. وحيث أن هذه النفايات السائلة لا يتم معالجتها بشكل تام، فإنها تؤدي إلى تدهور الأراضي وتلوث التربة والمياه الجوفية.
فعلياً إن اختلاط كمية صغيرة من المخلفات السائلة لمعاصر الزيتون مع المياه الجوفية يستطيع إحداث تلوث كبير لمصادر مياه الشرب. وتعد المشكلة أكثر خطورة اذا تم استخدام الكلور لتطهير مياه الشرب، حيث يتفاعل الكلور مع الفينول مشكلاً الكلوروفينول الذي يعتبر أشد خطورة على صحة الإنسان من الفينول وحده.
ومن أكثر الحلول شيوعًا الى الآن هي استراتيجيات إزالة السموم، وتعديل نظام الإنتاج، وإعادة تدوير المكونات ذات القيمة العالية، حيث اكتسبت تلك الحلول شعبية على مدى العقد الماضي لقدرتها على خفض التلوث وتحويل النفايات الى منتجات قيِمة. ومن الأمثلة على إعادة استخدام مخلفات الزيتون هو معالجتها حيويا واستخدامها فى التسميد العضوي الحيوى.
وكذلك استخدامها فى مكافحة الحشائش، كبديل للمواد الكيميائية الضارة. ونظرا لتوافر هذه الطريقة الحيوية بأقل تكلفه وسهوله وأمان على الكائنات الحية والبيئة بشكل عام، فهى بذلك افضل طرق المعالجة لهذا المخلف.
احدى الدراسات كانت عن الخسائر التى تسببها الحشائش فى الزراعات الصحراوية والتى تنقص إنتاجية تلك الزراعات من (10-30%) حسب نوع المحصول ونوع الاعشاب، ومع قلة البدائل الطبيعية للمبيدات العشبية فضلا عن الإعتبارات البيئية لإستخدامها كان ضروريا تشجيع البحث عن بدائل طبيعية لمكافحة تلك الحشائش.
وقد تم دراسة ذلك بعمل مستخلصات عضوية من OMWW بتركيزات متسلسلة كمبيدات أعشاب حيوية. نستخلص الفينولات من ماء الزيتون لدورها الاساسي فى التأثيرات المثبطة للحشائش عند تركيز (100٪) (حجم/حجم) في ظروف المختبر، وتلك الحشائش كانت الرجلة والدنيبة والملوخية Portulaca oleracea) و Echinochloa crus-galli و Corchorus olitorius) مقارنة بالكونترول غير المعامل. أظهرت النتائج أن المستخلص الخام عند تركيزات (500 و 1000 و 2000 جزء في المليون) يقلل من نمو الحشائش وكلما زاد التركيز ثبط ذلك من نمو تلك الحشائش.
مخلفات ماء عصر الزيتون
مخلف ماء عصر الزيتون اذا تم صرفه فى مصادر المياه فإنه يختلط بمياه الشرب فيلوثها وتتحول إلى مياه عادمة مضرّة بالبيئة والإنسان. وتلك المخلفات بها سموم تضر بالتربة وتجذب الحشرات والروائح الكريهة ويحدث ضرراً بيئياً، اجتماعياً واقتصادياً. التحليل الكيماوي يظهر أن تكوينه يتضمن نسبة عالية من المواد المختلفه كالفينولات. وقد اجريت العديد من الدراسات على تلك المخلفات واظهرت الدراسات مايلي:
مياه مخلفات معاصر الزيتون ((Olive Mill Wastewater تختصر ب “OMWW” وهي منتج ثانوي سائل يتم إنتاجه أثناء عصر ثمار الزيتون لإنتاج زيت الزيتون، وهو معروف على نطاق واسع بقيمته كسماد في النظم الزراعية المستدامة. اجريت دراسات عديدة للمعالجة الحيوية للمخلف ولتكسير الفينولات به وخفض المادة العضوية.
وتم تحليل عينات OMWW)) التي تم جمعها من مناطق مختلفة من جمهورية مصر العربية كيميائيا وفيزيائيا وميكروبيولوجيا لتحديد جودتها كسماد عضوى حيوى. كان يوجد نسبة عالية من المركبات الفينولية،وارتفاع قيم COD و BOD، وكان التمكن من خفض نسبتها بالمخلف بمثابة التحدي الكبير لتحويل هذه النفايات الغنية بالمغذيات إلى سماد عضوى حيوي آمن وعالي الكفاءة.
أجريت عمليات التخمير الهوائية ل OMWW للتخلص من السمية النباتية عن طريق إزالة المركبات الفينولية الموجودة. تم استخدام العديد من السلالات الميكروبية سواء بكتيرية او فطرية واثبت الكثير منها كفاءة عالية فى المعالجه الحيوية لتلك المخلفات عند توفير الظروف المثلى لنمو كل ميكروب على حده. ومن امثلة السلالات المستخدمه فى عملية المعالجة والتخمر الهوائى لمخلف عصر الزيتون:
Enterobacter asburiae و Pseudomonas aeruginosa، Azotobacter vinlindii وفطر Pleurotus columbines، وغيرها الكثير، وفي نهاية عملية التخمر .. وجد زيادة فى المكونات عالية الطاقة كالهورمونات النباتية والأحماض الأمينية ومضادات الأكسدة.
وزاد متوسط تركيز مضادات الأكسدة “TBHQ”. ووجد زيادة فى القياسات النباتية للنباتات محل الدراسة من حيث الطول والوزن الرطب والجاف ومحتوى الكربوهيدرات والكلوروفيل، كما زاد من نتائج NPK للمعاملات مقارنة بالكونترول. وأظهر التحليل الميكروبيولوجي فى احدى الدراسات ان جذور الذرة الرفيعة السكرية بعد استخدام OMWW المتخمر مع Ps. aeruginosa أو E. asburiae له تأثيرات إيجابية على تعداد الميكروبات الكلية وعدد المثبتات النيتروجينية والسيدوموناس.
التوصيات
1- يوصى بمعالجة مخلفات عصر الزيتون السائلة حيويا قبل استخدامها كمخصب حيوى لزيادة استفادة النبات من المكونات والفيتامينات والأملاح وكذلك المجموعات الميكروبية الموجودة بالمخلف السائل، مع مراعاة استخدام الظروف المثلى فى تنمية كل ميكروب للحصول على اقصى استفادة.
2- تضاف مخلفات عصر الزيتون السائلة رشا على التربة بمقدار (200 ليتر/الفدان) على مرتين فى عمر النبات.
3-أخيرا .. يوصى بمواصلة البحث فى هذا الموضوع لتغطية الجوانب التى لم يتم تغطيتها.
الجدوى الاقتصادية
تتوافر اطنان كثيره من المخلف السائل والصلب من عصر الزيتون خاصة فى مواسم جمع الزيتون وعصره بل وبعد ذلك من اوقات السنه، وذلك بدون مقابل تقريبا. ويتمنى الجميع التخلص منها ورفعها حتى يتم تجنب اضرار تركها لفترات طويلة. وبالتالى فإن المعالجة البيولوجية للمخلف تكون الاوفر اقتصاديا نظرا لعدم الحاجه الى تكاليف عالية او مواد خام او عماله، وهى ايضا الأء من على للبيئه.
المراجع
Rokia, Y. A.; Abdelhafez, A.A.; Azza A. Mohamed and Ramadan, M. (2018). Fungal Biotreatment of Olive Mill Waste Water. Arab Univ. J. Agri. Sci. Vol. 26: 373-383.
· Ghada, Amin Z. Ibrahim; Tarek El-Tayeb; Amal M Omer; Mohamed Abdelaziz Balah and Elshahat Ramadan (2016). Effect Of Fermented Olive Mill Waste Water On The Growth And Productivity Of Sorghum Grown Under Field Conditions. Journal of Environmental Science 33:187-210.
مقال
استخدام مخلف ماء عصر الزيتون كسماد عضوي حيوى
د. غادة أمين زكي إبراهيم
باحث بقسم خصوبة وميكروبيولوجيا الأراضى
اقرأ أيضا
مهرجان الزيتون ودوره في التثقيف بأهمية التصنيع
أشجار الزيتون.. مخاطر زراعة الخضراوات بينها وأضراره على حجم الإنتاجية المُتوقعة
حشائش أشجار الزيتون.. أفضل مُركب للقضاء عليها ومحاذير مُعاملات المُكافحة
لا يفوتك
اهم مشاكل المحاصيل الشتوية وطرق التغلب عليها