محصول القمح واحد من محاصيل الحبوب الاستراتيجية الهامة، التي ترتبط بها مُعادلة ومنظومة الأمن الغذائي إلى حد بعيد، حيث يُشكل الذهب الأصفر القوام الرئيسي منها، ما يستدعي الالتزام بعدة محاور وخطوات للوصول لأفضل النتائج المُمكنة.
وخلال حلوله ضيفًا على الإعلامي طه اليوسفي، مُقدم برنامج “المرشد الزراعي”، تناول الدكتور عبد السلام المنشاوي – رئيس بحوث متفرغ بمعهد بحوث المحاصيل الحقلية، التابع لمركز البحوث الزراعية، قسم بحوث القمح بمحطة بحوث سخا – ملف محاور واستراتيجيات سد الفجوة الغذائية في محصول القمح بالشرح والتحليل.
محصول القمح.. تحية شكر وتقدير للمُزارع المصري
في البداية أشاد الدكتور عبد السلام المنشاوي، بحصاد موسم القمح الماضي، موضحًا أنه شهد تحقيق أرقام قياسية لم يسبق تسجيلها على مدار تاريخ زراعة الذهب الأصفر خلال العقود الأخيرة.
ووجه الشكر إلى جموع المُزارعين وجيش مصر الأخضر، على تفانيهم وضربهم لأروع أمثلة الوطنية، ونجاحهم في تخطي وتجاوز كافة المُعوقات والظروف المُعاكسة، التي واجهتهم خلال الموسم الماضي.
القيادة السياسية والرؤية الاستشرافية
أوضح رئيس البحوث المتفرغ بمعهد بحوث المحاصيل الحقلية، أن حزمة الإجراءات التي اتخذتها ونفذتها وزارة الزراعة وكافة الجهات المعنية بهذا الملف، تنفيذًا لتوجيهات الرئيس عبد الفتاح السيسي، بدايةً من مشروع إنشاء الصوامع المعدنية، وانتهاءًا بإقرار الزارعة التعاقدية، وإعلان سعر الضمان وفقًا للأسعار العالمية، ساهمت جميعها في نجاح الموسم الماضي، وتحقيق أعلى مُعدلات الإنتاجية خلال السنوات الماضية.
ركيزة الأمن الغذائي القومي وعلاقته بالموروث الشعبي والثقافي
شدد “المنشاوي” على مدى أهمية الزراعة بالنسبة للأمن القومي الغذائي، الذي يُعد محصول القمح فيها بمثابة العمود الفقري، والركيزة الأساسية لتأمين سلة الغذاء لأي دولة على مستوى العالم.
وأكد رئيس البحوث المتفرغ بمعهد بحوث المحاصيل الحقلية أن محصول القمح في مصر له خصوصية شديدة جدًا، وعلاقة وثيقة نكاد نتفرد بها عن باقي دول العالم، حيث يُعد موروثًا شعبيًا وثقافيًا وهو الأمر الذي أدى لاصطلاح العامة على ربط اسمه بالحياة، حيث درج الجميع على إطلاق لقظة “العيش” على “الخبز”.
موضوعات قد تهمك
محصول الثوم.. مخاطر تذبذب الري أثناء “التبصيل” وأسباب تباطؤ نمو “سدس 40”
تربية الدواجن.. دراسة جدوى المشروع وأسباب تفوق “البياض” عن “التسمين”
المحصول الزراعي الأول ومعدلات الاستهلاك المحلية والعالمية
دلل “المنشاوي” على أهمية محصول القمح بالنسبة لغالبية دول العالم، والتي وصلت بإجمالي مساحة زراعته إلى 220 مليون هكتار، وبإنتاجية تصل إلى 880 مليون طن، متجاوزًا كافة الحاصلات الزراعية الأخرى، ليحتل مرتبة الصدارة وحده دون منازع.
وسلط أستاذ قسم بحوث القمح بمحطة بحوث سخا الضوء على حصاد الموسم الماضي، والذي قفز فيه إجمالي المساحة الكلية لزراعة محصول القمح إلى 3.65 مليون فدان، فيما تراوح إجمالي حجم الإنتاجية ما بين 9.5 إلى 10 مليون طن.
وكشف أن إجمالي الاستهلاك المحلي السنوي يصل إلى 20 مليون طن، ما يعني أن لدينا فجوة ما بين إجمالي الانتاج واحتياجاتنا الفعلية بنسبة 50%، وهو الأمر الذي يحتاج لمزيد من الضبط والبحث عن إيجاد حلول وبدائل اقتصادية لعلاجه.
إقرأ أيضًا
محصول الطماطم.. أبرز 12 توصية لحصاد اقتصادي ناجح
اللبن الجاموسي.. أسباب تفوقه على “البقري” ونسبة تركيز الكوليسترول في منتجاته
استراتيجيات سد الفجوة الإنتاجية
قدم الدكتور الدكتور عبد السلام المنشاوي تصورًا واقعيًا وروشتة علاج، لسد العجز والفجوة الخاصة بإنتاجية محصول القمح، موضحًا أن الاستراتيجية التي ينبغي الاعتماد عليها لحل هذه الإشكالية تعتمد على أربعة محاور رئيسية:
1. التوسع الرأسي
ويتلخص هذا المحور في مُضاعفة إنتاجية وحدة المساحة، والتي يُمكن الوصول إليها إما عن طريق إنتاج سلالات وهُجن جديدة ذات كفاء إنتاجية أعلى – وهو الأمر الموجود على أرض الواقع بالفعل – أو بمحاولة الوصول إلى القدرة الإنتاجية الفعلية للصنف، وتتأتى هذه النتيجة عن طريق الالتزام بتنفيذ كافة الإرشادات والتوصيات الفنية بشكل صحيح ومُنضبط.
2. التوسع الأفقي
عن طريق إضافة واستزراع المزيد من المساحات والرقع غير المُستغلة، وهو الأمر الذي أولته الدولة والقيادة السياسية “جل” اهتمامها، عبر إطلاق العديد من المشروعات التنموية القومية العملاقة، في إطار خطة التنمية المُستدامة 2030.
وأوضح أن القيادة السياسية وكافة الأجهزة المعنية تستهدف الوصول بإجمالي مساحة الرقعة الزراعية إلى 13 مليون فدان، بإضافة 4 مليون فدان جديد – سيكون لـ”محصول القمح” نصيب كبير منها – وهو رقم قياسي لم يتحقق من قبل، ما يؤكد أننا نمضي على الطريق الصحيح، في سبيل الوصول والاقتراب من الحدود الآمنة للأمن الغذائي بالنسبة للذهب الأصفر.
3. ترشيد الاستهلاك وتقليل مُعدلات الفاقد
شدد الدكتور عبد السلام المنشاوي على ضرورة العمل بجد لترشيد الاستهلاك، للاقتراب بشكل أسرع من الحدود الآمنة لملف الأمن الغذائي القومي، بالإضافة لتقليل مُعدلات الهدر والفاقد أثناء نقل وتداول المحصول من أماكن الزراعة لمراكز الفرز والتخزين.
ولفت إلى أننا من أعلى دول العالم في مُعدلات استهلاك القمح، ما يستنزف جانبًا كبيرًا من إنتاجيتنا، حيث يتوقف متوسط استهلاك الفرد على المستوى العالمي عند حدود الـ80 كجم، فيما يصل استهلاك الفرد المصري إلى 200 كجم سنويًا – تقترب من حدود الـ3 أضعاف – ما يستدعي الوصول لصيغة أكثر انضباطًا.
4. السياسة السعرية العادلة
وتتأتى أهمية هذا المحور من كونها أحد الأسباب الرئيسية التي تشجع المُزارعين على التوسع في زراعة محصول القمح بكافة محافظات الجمهورية، بتوفير وإقرار السعر العادل وفقًا للبورصات والأسعار العالمية، لتحقيق أفضل ربحية للمُزارعين خلال الموسم.
وأكد أستاذ قسم بحوث القمح بمحطة بحوث سخا أن توافر الإرادة الحقيقية لتنفيذ هذه المحاور الأربعة، يضمن الوصول للحدود الآمنة من الأمن الغذائي القومي للذهب الأصفر خلال فترة زمنية قصيرة.
وشدد “المنشاوي” على خطورة المحور المُتعلق بزيادة الاستهلاك المحلي للقمح، بأرقام ضخمة تتجاوز كافة المُتوسطات العالمية المُنضبطة، ما يؤشر لوجود نوع من أنواع “التسرب”، والذي تكمن خطورته الأكبر باستخدام “رغيف الخبز” في غير الأماكن والأنشطة المُخصص لها، ويقصد بها استخدامه كعلف للبهائم والماشية، وهي خسارة اقتصادية مزدوجة، حيث لا تقف عند حدود ضياع نسبة كبيرة من إنتاجية الذهب الأصفر، وإنما تمتد لخسارة أكبر تتمثل في تكاليف الإنتاج والتصنيع التي يمر بها “الخبز”.
شاهد أيضًا