ظاهرة التصحر في مصر هي ظاهرة جغرافية تعني انخفاض او تدهور قدرة الإنتاج البيولوجي للأرض، مما يؤدي الي خلق ظروف شبه صحراوية في النهاية او بعبارة اخري تدهور خصوبة أراضي منتجة سواء كانت مراعي او مزارع تعتمد علي الري المطري او مزارع مروية بان تصبح اقل إنتاجية الي حد كبير او ربما تفقد خصوبتها كليا.
وأعلنت الأمم المتحدة منذ عقد السبعينات ان مصر تمثل أولي دول العالم صحراويا نظرا لما تتسم به من الظروف القاسية التي تتسم بها الصحراء حيث تحتوي علي نحو 86% من الأراضي شديدة الجفاف و14% أراضى جافة وتشكل مساحة مصر ما يقرب من مليون كيلومتر مربع في الركن الشمالى الشرقي لأفريقيا وهي جزء من حزام الصحراء الكبرى الممتد من المحيط الأطلسي شرقا عبر شمال افريقيا بكاملها الي الجزيرة العربية.
ويتأثر مناخ مصر بعدة عوامل أهمها الموقع ومظاهر السطح والنظام العام للضغط والمنخفضات الجوية والمسطحات المائية، حيث ساعد ذلك كله علي تقسيم مصر الى عدة أقاليم مناخية متميزة، فتقع مصر في الإقليم المداري الجاف فيما عدا الأطراف الشمالية التي تدخل في المنطقة المعتدلة الدافئة التي تتمتع بمناخ شبيه بإقليم البحر المتوسط الذي يتسم بالحرارة والجفاف في اشهر الصيف، وبالاعتدال في الشتاء مع سقوط امطار قليلة تتزايد علي الساحل، ومناخ مصر يمكن تمييزه في فصلين مناخين هما فصل الصيف الجاف الحار ويمتد بين شهري مايو وأكتوبر، وفصل الشتاء المعتدل قليل الامطار ويمتد بين شهر نوفمبر وأبريل.
وتمتد الصحراء الغربية من وادي النيل غربا الي الحدود مع ليبيا وتقدر مساحتها نحو 681000كيلومتر مربع وتعتبر في الأساس منطقة صحراوية شاسعة معظمها مكون من الصخور الرسوبية والكثبان الرملية ويوجد بها عدد من المنخفضات المغلقة او شبه المغلقة من أهمها واحات الخارجة والداخلة والفرافرة البحرية وواحة سيوة.
كما يوجد بها منخفض القطارة الذي يعد واحدا من اكبر وأعمق المنخفضات الطبيعية في الصحراء الكبرى حيث تتميز الصحراء الغربية عموما بالمناخ الجاف وقله الموارد المائية والامطار وبانتشار التربة الجبسية فقيرة المواد الغذائية والإنتاج مما يحصر مصادر المياه بها في الامطار والابار الجوفية والتي تستخدم في الشرب وفي الزراعة.
وتمتد الصحراء الشرقية من وادي النيل شرقا الي البحر الأحمر وخليج السويس و تتكون أساسا من سلسلة من الجبال المكونة من صخور القاعدة التي تتخللها شبكة من الوديان الرئيسية والفرعية التي تتجه أساسا الي ساحل البحر الأحمر حيث تتميز هذه المنطقة بالجبال العالية والهضاب والوديان وبالمناطق الساحلية الضيقة والمنبسطة والمناخ الجاف ومصادر الحياة بها لا تزيد عن المياه الجوفية او الامطار التي تتجمع فى سيول جارفة تضيع معظمها في البحر الأحمر، ويحدث عادة الانجراف المائي نتيجة تجمع المياه والامطار من المناطق المرتفعة ذات المساحات الكبيرة الي الوديان المحدودة المساحة ذات الميول السريعة وفي اتجاه المناطق الساحلية المنخفضة وتضيع معظم هذه المياه في البحر الأحمر او في قاع الوديان بعد تجريفها للتربة أثناء تحركها محملة المواد العضوية والعناصر الغذائية ويساعد علي هذه العملية قلة وجود الغطاء النباتي وتعرضه للرعي الجائر والتاكل وبالتالي يجب العمل علي الاستفادة من هذه المياه في الزراعة مع العمل علي إعادة تأهيل الغطاء النباتي.
وتقع معظم المساحات الزراعية في مصر علي امتداد وادي النيل ودلتا النيل والذي يبلغ مساحته ما يقرب من 1350 كيلومتر من حدود مصر مع السودان حتي ساحل البحر الأبيض المتوسط وتتميز هذه الأراضي بانها تربة رسوبية خصبة تكونت منذ الاف السنين نتيجة ضخ طمي النيل إليها القادم مع مياه نهر النيل، هذه الأراضي تعتمد في عمليات الرى على مياة نهر النيل وهذه الاراضى قلوية بطبيعتها نتيجة لارتفاع نسبة الاملاح بها مع الظروف الجوية الحارة.
وتتركز الزراعة في دلتا النيل، ولكنها تتعرض لعمليات تجريف وتعرية متعددة نتيجة عمليات الري السطحي والري بالمياه المخلوطة بمياه الصرف الزراعي عالية الملوحة التي تسبب عملية اغراق الأراضي بالمياه وحدوث ظاهرة التطبيل وخاصة مع الاستخدام المكثف للأسمدة الكيماوية والمبيدات وقلة تعويض التربة ما فقد منها من المادة العضوية عن طريق الأسمدة العضوية خاصة مع انقطاع طمي النيل بعد بناء السد العالي ومع غياب الدورات الزراعية والتركيب المحصولي المناسب علاوة علي تعرضها الي عمليات التجريف بهدف استخدام الطبقة السطحية في صناعة الطوب الأحمر، علاوة علي تعرضها الي عمليات البناء وعمليات الزحف العمرانى مما يلزم الاتجاه الي أساليب الري الحديثة والاقتصادية مع زراعة المحاصيل قليلة الشراهة للمياه والمحافظة علي التنوع البيولوجي الزراعي التي تتميز به هذه المنطقة، والحدمن عمليات الزحف العمراني والبناء علي حساب التوسع الزراعي في مناطق من الدلتا مثل المنصورية والمريوطية.
ومن أهم الصفات المناخية للمناطق الساحلية الشمالية هطول الامطار الخريفية والشتوية بمعدلات تتراوح ما بين 100-250مم/سنة وهذه تمثل أعلي معدلات للأمطار في مصر، وتتناقص معدلات الامطار بسرعة كلما اتجهنا الى الجنوب خلال مسافة نحو 20 كم حيث تنخفض معدلات الامطار بعدها الي اقل من 50مم/سنة وتتزايد الارتفاعات عن سطر البحر كلما اتجهنا الي الداخل كما في الساحل الشمالي الغربي لمرتفعات الهضبة الليبية التي يصل ارتفاعها الي اكثر من 50م فوق سطح البحر، وفى بعض المواقع تقترب الهضبة كثيرا من خط الساحل مما يجعل السهل الساحلي ضيقا ومحدودا والصفات الطبيعية للمنطقة مع الصفات المناخية تؤدي الي حركة نشطة للمياه السطحية حيث تتحرك من المرتفعات الي الوديان والمناطق المنخفضة مما يؤدي الي حدوث الانجراف المائي للتربة من المرتفعات والسفوح الي المنخفضات وغالبا تفقد هذه المياه في مياه البحر الأبيض المتوسط ويؤدي الانجراف المائي الي الترسيب والاطماء السريع للمواد المنجرفة في المنخفضات او خزانات السدود، وتتميز معظم أنواع التربة هنا بانها أراضي رطبة وملحية وتربة رملية متوسطة القوام، وتعتبر هذه المنطقة من المراعي الطبيعية الهامة في مصر، وتقدر مساحتها بنحو 6,5مليون فدان منها نحو 3,75مليون فدان في الساحل الشمالي الغربي ونحو 2,85 مليون فدان في الساحل الشمالي لسيناء، وأهم عوامل التدهور في هذه الأراضي هو عمليات الرعي الجائر وتاكل الغطاء النباتي بدرجات متفاوتة نتيجة لزيادة الحمولة الرعوية وزيادة عدد رؤؤس الحيوانات عن قوة التحمل، وأيضا تحويل مساحات كبيرة من الأراضي الرعوية الطبيعية الي زراعات مطرية وبعلية والتي تعتبر من عوامل تدهور التربة بهذه المنطقة نظرا لفقد الغطاء النباتي الطبيعي لها ونظرا للقيام بعملية الحرث واعداد الأرض للزراعة مع كونها أراضي هشة الصفات مما يزيد من تعرض التربة للانجراف وانخفاض انتاجيتها وضياع العائد الاقتصادي المرجو منها بعكس اذا استخدمت هذه الأراضي في تنمية المراعي الطبيعية وأحسنت إدارتها، وبالتالي نتيجة لذلك يؤدي الي هجرة البدو والسكان الي المدن الكبيرة للحصول علي فرص العمل مما يشكل عبئا اقتصاديا.
أسباب ظاهرة التصحر في مصر
1- غزو الكثبان الرملية للأراضي الزراعية.
2- تدهور الأراضي الزراعية المعتمدة علي الامطار.
3- تملح التربة.
4- إزالة الغابات وتدمير النباتات الغابية.
5- انخفاض كمية ونوعية المياه الجوفية السطحية.
6- تدهور المراعي الطبيعية.
7- انخفاض خصوبة الأراضي الزراعية.
8- اشتداد نشاط التعرية المائية والهوائية.
9- زيادة ترسبات السدود والانهار.
10- اشتداد الزوابع الترابية وزيادة كمية الغبار في الجو.
ظاهرة التصحر في مصر تهدد الأمن الغذائي
وقد ذكرت اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة التصحر، أن التصحر يهدد الامن الغذائي في مصر، حيث ان مصر تفقد أراضي زراعية بمعدل خمسة افدنة كل ساعة علي مستوي المحافظات، مما جعل المنظمة الدولية تضع مصر بالمركز الأول عالميا للتصحر، وتعتبر المناطق البيئية الزراعية الصحراوية من أهم المناطق تعرضا لظاهرة التصحر، حيث تضم هذه المناطق النباتات الصحراوية التي تتناسب والظروف البيئية القاسية المتوفرة في هذه المناطق، كما تضم أيضا الصحاري الحقيقية الخالية من هذه النباتات او من أي مجتمع نباتي أخر حيث لا تتوافر فيها الشروط البيئية المناسبة لحمايتها مثل الامطار والتربية الزراعية، وتتعرض هذه المناطق للرمال الزاحفة والمتنقلة والانحرافات الهوائية والمائية والملوحة والعوارض المناخية المحددة لذلك.
ومن الملاحظ ان العضلة الأساسية التي تواجه الإنسانية هي فقر التربة والندرة النسبية للموارد المائية باختلاف صورها، والعوامل المسببة لظاهرة التصحر فهي عبارة عن مثلث ذي ثلاثة اضلاع، يتشكل من التصحر وانحسار التنوع البيولوجي والتغير المناخي هذه العوامل الثلاث الرئيسية لابد أن تعالج في ترابط مع بعضها البعض، وبقدر ما يقع التقريب في وجهات النظر وتتكامل الدراسات حول هذه العوامل الثلاث يكتمل الفهم لتلك القضايا وفي سبيل إيجاد حلول تشمل هذه الاضلاع الثلاثة ينتج مفهوم الإدارة الشاملة.
سوء استخدام الموارد أحد أسباب ظاهرة التصحر في مصر
وبالنسبة للتصحر يتمثل العامل الرئيسي المسبب له هو سوء استخدام الموارد من قبل الانسان مثل الرعي الجائر والتحطيب والحمولة الرعوية الزائدة وجميعها تدخل ضمن سوء الإدارة وكل ارض في كل مكان، لابد ان يكون لها نظام علمى سليم لإدارة الموارد فيها ومكافحة هذه الظاهرة تبدأ في المقام الأول بحسن إدارة الموارد، واما عامل التغيرات المناخية فالمطلوب ليس مكافحته بل التأقلم والتكيف معه، حيث ان هذه العوامل لابد ان تفهم سويا لكي يمكن تخفيف اثرها علي الانسان والحيوان وبقية الكائنات.
تفاصيل البرنامج الوطني لمكافحة ظاهرة التصحر في مصر
وقد تضمن البرنامج الوطنى المصري لمكافحة التصحر خمسة برامج رئيسية ينبثق منها عدة مشروعات لمكافحة التصحر بالأقاليم الزراعية، وتشمل البرامج الأساسية:-
1- تقييم ومتابعة التصحر وبناء القدرات.
2- برامج تحسين المراعي وتشمل إعادة تأهيل أراضي المراعي المتدهورة وصيانة موارد الأراضي والمياه، وإدارة المراعي الطبيعية.
3- برامج تثبيت الكثبان الرملية وتشمل حماية الشواطئ لبحيرة ناصر من الكثبان الرملية، وتثبيت الكثبان الرملية في واحة سيوة، وتثبيت الكثبان الرملية في شمال سيناء.
4- برامج الزراعة المروية وتشمل تحسين وتطوير طرق الري والإدارة المتكاملة لمشروعات الري وإدارة وتحسين الأراضي ومعالجة تلوث التربة والمياه ومعالجة التلوث البيئي في منخفض وادي الريان بالفيوم.
5- برامج الزراعة المطرية وتشمل تخطيط استخدامات الأراضي في الساحل الشمالي وتحسين الثروة الحيوانية وتحسين انتاجية المجترات الصغيرة في شمال سيناء، والحد من انجراف التربة.
أهم مشاريع مكافحة ظاهرة التصحر في مصر
1) تشجير واستزراع مناطق الاستصلاح الحديثة بمديرية التحرير ووادي النطرون والواحات البحرية وتشجير الطرق الصحراوية بالقاهرة والمحافظات.
2) إقامة الحواجز الميكانيكية والرش بالمستحلبات البيرولية وزارعة الأشجار والشجيرات مثل الاكاسيا والخروع والقطف والاتل والكازورينا في الساحل الشمالي الغربي (منطقة البوصيلي ومنطقة القصر).
3) انتشار السدود الخرسانية والترابية لحجز مياه السيول وزراعة أشجار الفاكهة والزيتون في شمال سيناء(الساحل – الشيخ زويد).
والشمال الغربي (رأس الحكمة – الجروالة – القصر)
4) رفع كفاءة الصرف الحقلي والحدمن ارتفاع منسوب الماء الأرضي باستخدام طرق حديثة والتحكم في المياه المتدفقة في العيون والابار وتعميم وتجديد شبكات الصرف المغطي وتحسين وصيانة الأراضي في الواحات الجنوبية الداخلة ومناطق عديدة من الدلتا وتخومها وخاصة مشروعات الاستصلاح الجديدة مثل عيون موسي غرب سيناء ومناطق عديدة في وادي النطرون وسيوة والفرافرة والوادي والدلتا والأراضي الجديدة.
5) تنمية المناطق الرعوية في الساحل الشمال وشمال سيناء
استراتيجيات وآليات مكافحة ظاهرة التصحر في مصر
أولا:- حماية نوعية المياه: عن طريق مراقبة المسطحات المائية المغلقة مثل البحيرات للحفاظ علي التوازن البيئي عن طريق:
1- صيانة المجاري المائية ميكانيكيا.
2- التوسع في المقاومة البيولوجية للافات لتجنب التلوث الكيماوي.
3- الاهتمام بالاصول البيئية للمجاري المائية ورصد تلوثها.
4- مكافحة جميع صور التلوث الأخرى والتي تهدد بتلوث المياه.
5- تدعيم وتحديث معامل التحاليل لمواكبة جودة المياه.
6- دعم المؤسسات البيئية الغير حكومية في حماية المجاري المائية.
7- الزام الشركات الصناعية بعمل دراسات الجدوى لاستكمال البيانات الخاصة بمخلفاتها.
8- التشديد علي عدم صرف مخلفات المصانع والصرف الصحي للمدن علي المسطحات المائية قبل معالجتها.
9- مراقبة ورصد السواحل الشمالية والشرقية من مخلفات السفن والصرف الصحي من المنتجعات السياحية.
ثانيا:- استعمال الموارد والمتمثلة في نظم حصاد مياه الامطار في الزراعة المصرية عن طريق:-
1- التوسع في استخدامات المياه غير تقليدية لزيادة الموارد المائية، ومياه الصرف، ومياه الصرف الصحي بعد معالجتها.
2- زراعة الغابات الخشبية بمياه الصرف الصحي المعالج ابتدائيا.
3- التوسع في استصلاح الأراضي في مصر.
4- الاستخدام الأمثل للموارد المائية السطحية والجوفية بنظم الري الحديثة.
5- تطوير الري السطحي لتقليل فواقد الشبكة.
6- تقليل المساحة المزروعة بمحصول الأرز وقصب السكر.
7- مكافحة التدهور البيئي في الأراضي الخصبة بوادي ودلتا النيل.
8- إدارة الأراضي والمياه في الحقل لتعزيز الطاقة الإنتاجية الزراعية.
ثالثا:- تشريعات حماية البيئة والمتمثلة في التشريعات الوطنية لحماية البيئة عن طريق تشريعات حماية التربة والمتمثلة في:-
1- حماية الارض الزراعية والنبات من التلوث والتدهور (الحجر الزراعي).
2- المكافحة الشاملة للآفات الزراعية الضارة بالمحاصيل.
3- تحسين وصيانة الأراضي الزراعية.
4- حماية الأرض الزراعية من التبوير والبناء عليها.
5- تشريعات التلوث بالمبيدات الكيماوية والمخصبات الزراعية.
التشريعات الدولية لحماية البيئة
وفي عام 1994م وقعت مصر اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة التصحر (UNCCD) علي ان تكون وزارة الزراعة واستصلاح الأراضي هي المنوطة بتنفيذ الاتفاقية وان يكون مركز بحوث الصحراء هو المنسق الوطني للاتفاقية.
مقال
ظاهرة التصحر في مصر وأسبابها
د/ أحمد حسن أبو شامة عبد الصادق
باحث – قسم الدراسات الاقتصادية – شعبة الدراسات الاقتصادية والاجتماعية – مركز بحوث الصحراء
المصدر
عدد مايو 2021 من الصحيفة الزراعية الصادرة عن إدارة الثقافة الزراعية بقطاع الإرشاد الزراعي بوزارة الزراعة
اقرأ أيضا
الكينوا.. محصول سحري وبديل غذائي لمرضى حساسية “القمح”
د. هيام الصاوي تكتب عن ديتوكس الكبد الدهني
لا يفوتك
لعمل منظومة مميزة لتداول المبيدات.. من أين نبدأ