استضاف الإعلامي أحمد إبراهيم، مقدم برنامج “الفرسان”، المذاع عبر شاشة قناة مصر الزراعية، الدكتور سعد نصار كأحد النماذج المشرفة من علماء مصر الأجلاء، وأحد رموز الاقتصاد الزراعي، للحديث عن ظروف نشأته وأحلامه، وأبرز المحطات والتحديات التي واجهته في حياته العملية.
“سعد نصار” يستكمل حديثه عن مشواره العلمي والبحثي
استكمل الدكتور سعد نصار، أستاذ الاقتصاد الزراعي بجامعة القاهرة سرده لسيرته الذاتية ومسيرته الطويلة في العلم والعمل، منذ نشأته في قرية نبتيت بمحافظة الشرقية، والظروف المعيشية البسيطة التي نما وترعرع فيها، حيث تلقى تعليمه في المدارس الحكومية وحصل على المرتبة الأولى في كلية الزراعة بجامعة عين شمس عام 1963. على الرغم من أنه كان يطمح لأن يصبح طبيبًا، فإن الصدفة قادته إلى مجال الاقتصاد الزراعي، الذي تميز فيه ليصبح أحد أبرز الشخصيات في هذا المجال على مستوى مصر والوطن العربي.
أوضح “نصار” أنه تولى العديد من المناصب القيادية، من بينها عميد كلية الزراعة بجامعة القاهرة فرع الفيوم، ورئيس مركز البحوث الزراعية، ومحافظ الفيوم، ومستشارًا لوزير الزراعة. كما حصل على جوائز عديدة، بما في ذلك جائزة النيل، أعلى وسام علمي في مصر، إلى جانب ذلك، أشرف على العديد من رسائل الماجستير والدكتوراه وشارك في أحداث وطنية مهمة، وهو عضو في العديد من اللجان والمجالس العلمية. يعتبر نصار أن النجاح والتفوق يتحققان بالتفاني في العمل داخل الوطن، وليس بالهجرة خارجه.
تجربة عمله بالكويت وعودته لخدمة البلاد
تحدث “نصار” عن تجربته في الكويت، حيث عمل لمدة تسعة أشهر في مشروع مشترك مع البنك الدولي لدراسة تقييم المشروعات الزراعية في الدول العربية، وهي تجربة وصفها بأنها متميزة ومليئة بالتحديات، ورغم الإغراءات المادية إلا أنه قابلها برغبه أكيدة وقوية بالعودة إلى مصر، ليواصل عمله وخدمة وطنه.
وأوضح أنه وبعد انتهاء مهمته في الكويت، تلقى عرضًا من الدكتور علي الباسل، عميد كلية الزراعة بفرع الفيوم، للانضمام إلى الجامعة كوكيل لكلية الزراعة هناك، وهو الطلب الذي وافق عليه، موضحًا أن الفيوم كانت أقرب إلى القاهرة، ما جعله قادرًا على العودة إلى منزله في مصر الجديدة بسهولة.
تطوير قريته
وتابع حديثه حول الدور الذي لعبه في تنمية قريته بمحافظة الشرقية، مشيرًا إلى أنه بالتعاون مع أبناء القرية وأعيانها، لتشكيل مجموعة عمل بهدف تنفيذ مشاريع خدمية، لتحسين شكل الحياة في القرية، موضحًا أنه تم إنشاء مدرسة ابتدائية، ومعهد أزهري، ومحطة صرف صحي، ووحدة صحية، بالإضافة إلى مركز شباب ومكتب بريد، بالتعاون بين الأهالي والحكومة، بالإضافة لتحسين المساجد وشق طرق جديدة لتسهيل الحركة، ما حول قريته الصغيرة إلى قرية “أم” تخدم القرى المحيطة بها، لافتًا إلى أنه باتت على وشك الانضمام لبرنامج “حياة كريمة” الذي أطلقه الرئيس عبد الفتاح السيسي، ما يعزز مكانتها كقرية نموذجية.
التفوق غير مقتصر على الهجرة
انتقل رئيس مركز البحوث الزراعية الأسبق بعد ذلك إلى الحديث عن الدروس المستفادة من مسيرته العلمية والمهنية، مشددًا على ضرورة المثابرة والمطالبة بالحقوق بطرق قانونية، مؤكدًا أن الشباب يجب أن لا يشعروا بالإحباط إذا لم يتمكنوا من الالتحاق بالكلية التي يرغبون بها، مشيرًا إلى أن التفوق لا يقتصر على مجال أو تخصص معين. كما أكد نصار أن المال ليس كل شيء، مستشهدًا بتجربته في الكويت، حيث أدرك أن التواجد في الوطن وخدمة المجتمع أهم بكثير من المكاسب المالية التي يمكن جنيها من العمل بالخارج.
مسيرته العلمية وعمادته لكلية الزراعة
أردف الدكتور سعد نصار، أنه وبعد عودته إلى مصر، أصبح رئيسًا لقسم الاقتصاد الزراعي، ووكيلًا للكلية في جامعة الفيوم، والتي تولى عمادتها لاحقًا، حيث تم تعيينه في البداية كعميد بقرار من رئيس الجامعة، ثم تم اختياره لاحقًا بالانتخاب، حيث فاز في الانتخابات أربع مرات على التوالي، مشيرًا إلى واقعة غريبة صادفته أثناء خوضه لواحدة من هذه الانتخابات، والتي شهدت نزول أحد وكلاء الكلية المنافسة ضده، وعندما خسر، استقال من منصبه، وهي الواقعة التي علق عليها بالتأكيد على أن التعاون بين الزملاء يجب أن يستمر حتى لو كان هناك تنافس بينهم.
تابع نصار سرده لمسيرته العلمية، مشيرًا إلى أنه بعد أن أكمل خمس دورات كعميد، تم تعيينه رئيسًا لمركز البحوث الزراعية بقرار جمهوري، علاوة على نيله العديد من الأوسمة والتكريمات، من بينها وسام العلوم والفنون من الطبقة الأولى، ليصبح أحد أبرز الشخصيات العلمية في مصر، مشيرًا إلى عمله مع الدكتور كمال الجنزوري، الذي كان وزير التخطيط آنذاك، على إعداد خطة خمسية للتنمية الزراعية في مصر، وذلك إبان فترة توليه لرئاسة المركز.
من الجامعة إلى الوزارة.. رحلة بين العلم والعمل الحكومي
أشار الدكتور سعد نصار إلى مرحلة عمله مستشارًا في وزارة التخطيط خلال الثمانينيات، بعد أن رفض عروضًا للتخلي عن عمله الأكاديمي لصالح مناصب حكومية، رغم الضغوط التي واجهها. أوضح أنه تم تكليفه بإعداد الخطة الخمسية الزراعية التي كانت تهدف لتطوير القطاع الزراعي في إطار خطة الدولة الشاملة للتنمية، وقد لعب دورًا كبيرًا خلال تلك الفترة في توجيه السياسات الزراعية، بالتعاون مع الدكتور كمال الجنزوري، الذي كان يشغل منصب وزير التخطيط آنذاك.
تحديات القيادة في مركز البحوث الزراعية
انتقل الدكتور سعد نصار بعد ذلك لتولي منصب رئيس مركز البحوث الزراعية بقرار جمهوري، مشيرًا إلى أن هذا المنصب تطلب منه تكثيف الجهود لتحسين الإنتاج الزراعي في مصر، موضحًا أن المركز يعد أحد أكبر المراكز البحثية على مستوى الشرق الأوسط، مؤكدًا على أن المركز كان محورًا لنجاح مصر في تحقيق تقدم ملموس في مجال الأمن الغذائي.
تطوير الإنتاج الزراعي وزيادة الإنتاجية
لفت “نصار” إلى أن الطفرة التي شهدها مركز البحوث الزراعية على مستويات الإنتاج، حيث تم تطوير العديد من المحاصيل الأساسية مثل القمح والذرة والأرز، ضاربًا المثل على ذلك بزيادة إنتاجية الأرز من 2.4 طن للفدان إلى 4 أطنان، وهي المسألة التي تكررت مع محاصيل أخرى، مثل القمح والذرة والتي شهدت تضاعفًا ملحوظًا في معدلات إنتاجيتها، ما جعل مصر من الدول الرائدة في هذا المجال على مستوى العالم.
التعاون الدولي والاعتراف العالمي
أشار الدكتور سعد نصار إلى زيارة العالم الأمريكي نورمان بورلوغ، الحائز على جائزة نوبل، لمركز البحوث الزراعية في تلك الفترة، حيث أعرب بورلوغ عن إعجابه ببرامج تحسين المحاصيل في مصر، مؤكدًا أن ما تم تحقيقه في مصر يفوق ما يتم إنجازه في العديد من المراكز البحثية الدولية.
الفجوة الغذائية ومستقبل الأمن الغذائي في مصر
وتناول رئيس مركز البحوث الزراعية الأسبق الدراسة التي أجرتها إحدى البعثات الرئاسية الأمريكية في الثمانينيات، حول مستقبل الفجوة الغذائية في مصر بحلول عام 2000، موضحًا أنها خلصت إلى أن الإنتاج الزراعي المصري قد لا يكون قادرًا على مواكبة الزيادة السكانية المتسارعة في المستقبل، وهو ما دفع الحكومة المصرية إلى تكثيف جهودها لتطوير الإنتاج وتحقيق الاكتفاء الذاتي.
تعزيز التعاون بين الوزارة والجامعات
أشاد “نصار” بجهود الدكتور يوسف والي في فتح الوزارة على الجامعات المصرية والمراكز البحثية الدولية، ما أدى إلى تكوين فرق عمل متكاملة لتطوير الزراعة في مصر، مشيرًا إلى أهمية الحملة القومية للمحاصيل، التي شملت القمح والذرة والقطن، مؤكدًا أن تلك الحملات أسهمت بشكل كبير في رفع كفاءة الإنتاج الزراعي وزيادة الإنتاجية.
جوائز وتكريمات
أشار رئيس مركز البحوث الزراعية الأسبق إلى تكريمه بالعديد من الجوائز تقديرًا لمساهماته في تطوير القطاع الزراعي، من بينها جائزة النيل، التي تُعد من أعلى الجوائز التي تُمنح للعلماء في مصر، لافتًا إلى العلاقة الوثيقة التي جمعته بكبار العلماء المصريين مثل الدكتور أحمد زويل، الدكتور مجدي يعقوب، والدكتور فاروق الباز، مشددًا على أهمية القدوة العلمية للشباب المصري.
التمييز العلمي داخل مصر وخارجها
أكد الدكتور سعد نصار عدم صحة الاعتقاد السائد بين شباب الباحثين، والذي يربط النجاح بـ”الهجرة” والعمل خارج مصر، مؤكدًا على أن التميز والنبوغ ليس مقتصرًا على العمل في الخارج، بل يمكن تحقيقه داخل الوطن، مستشهدًَا بتجارب ناجحة لعلماء مصريين بارزين وأكفاء، قدموا إسهامات بارزة وهم داخل مصر، مشيرًا إلى ضرورة توفير القدوة المناسبة للشباب لتشجيعهم على الاستمرار في البحث العلمي وتطوير قدراتهم داخل البلاد.
الحفاظ على الأراضي الزراعية في محافظة الفيوم
تحدث “نصار” عن تجربته خلال شغله لمنصب محافظ الفيوم، والتي واجه خلالها عدة تحديات، تتعلق بالتعديات على الأراضي الزراعية، موضحًا أنه كان حريصًا على الحيولة دون حدوثها، مشيرًا إلى أنه كان يمتلك صلاحيات عسكرية، تخول له إزالة مثل هذه التعديات بشكل فوري، ودون اللجوء إلى الإجراءات القانونية المعتادة، كما تحدث عن مبادرة تخصيص أراضٍ صحراوية للبناء بدلاً من التعدي على الأراضي الزراعية، مؤكدًا أن تلك الأراضي تمثل مصدرًا هامًا للغذاء والدخل، ويجب حمايتها لضمان استدامة الزراعة في مصر.
موقفه من البناء على الأراضي الزراعية
وسرد واحدة من الوقائع التي عاصرها خلال فترة شغله لمنصب محافظ الفيوم، موضحًا أنه وفي إحدى الاجتماعات التي ضمت قيادات حزبية وزراعية، تم طرح اقتراح للسماح بالبناء على الأراضي الزراعية مقابل دفع رسوم مالية، بهدف تنظيم عمليات البناء وتقنينها، مؤكدًا أنه أصر على رفض هذا المقترح بشكل تام، مشيرًا إلى أن الحل الأمثل يكمن في استغلال الأراضي الصحراوية للبناء، مع توفير البنية التحتية اللازمة، بدلاً من إهدار الأراضي الزراعية التي تعد شريان الحياة للاقتصاد الزراعي في مصر.
الموقف الحاسم للرئيس السيسي
وأشار الدكتور سعد نصار إلى الموقف الحاسم للرئيس عبد الفتاح السيسي فيما يتعلق بالتعديات على الأراضي الزراعية، موضحًا أن الرئيس اتخذ إجراءات صارمة تتضمن الإزالة الفورية لأي تعدٍ على تلك الأراضي، مؤكداً أنها أصبحت “خطاً أحمر” لا يُسمح المساس به، وأن القانون الجديد يعتبر التعدي على الأراضي الزراعية جريمة مخلة بالشرف، وليست مجرد مخالفة عادية يمكن تسويتها بغرامة مالية.
وأكد محافظ الفيوم الأسبق أن هذه الإجراءات جاءت لحماية “مصدر الغذاء والعمل” الذي يعتمد عليه ملايين المصريين، مشيرًا إلى أهمية الحفاظ على الأراضي الزراعية، كأولوية قصوى لضمان الأمن الغذائي وتحقيق التنمية المستدامة، معربًا عن سعادته بمشاركة خبراته الطويلة مع الجمهور من خلال هذا اللقاء، مؤكداً أنه يتمنى أن يُلهم كتابه الجديد الأجيال القادمة، ويساهم في نشر الوعي بأهمية الحفاظ على الموارد الزراعية وتنميتها.