زاد الإهتمام بالبيئة فى الآونة الأخيرة للمشاكل البيئية التى تراءت للعيان وعلى مكافة الأصعدة. فأصبحت قضية التلوث البيئى واحدة من أهم خمس قضايا تشغل حيزاً عالمياً بعد الغذاء ،الماء ،الطاقة ، البطالة.
وبرزت مشكلة التلوث البيئي فى النصف الثانى من القرن العشرين نتيجة للتقدم التكنولوجى والصناعى والحضارى. فقد باتت مشكلة التلوث البيئى خطراَ يهدد حياة كافة الكائنات الحية على سطح الكرة الأرضية. الله هيا لنا بيئة متزنة تتميز أنظمتها بالمرونة الفائقة التى تساعدها على تحمل أى تغيرات ضارة وبالرغم من ذلك لم تعد تتحمل الضغوط الناتجة من تعدد جوانب التلوث البيئى الناجمة عن زيادة النشاط البشرى فظهر الفساد فى البر والبحر بما كسبت أيدى الناس.
يقصد بالبيئة بصفة عامة الوسط المحيط بالإنسان والذى يشمل كافة الجوانب المادية وغير المادية. أما التلوث البیئي فيعرف على أنه أى تغیر كمي أو كیفي في مكونات البیئة الحیة وغیر الحیة، لا تتمكن الأنظمة البیئیة من إستیعابه. ينجم هذا التلوث بفعل عوامل طبيعية مثل البراكين وعوامل أخرى بشرية.
أشكال التلوث البیئي عديدة منها تلوث الهواء، تلوث المیاه، تلوث التربة، بل قد يمتد ليشمل التلوث بأشكال الطاقة المختلفة كالتلوث الضوضائي والتلوث الحراري والتلوث الضوئي والتلوث الإشعاعى.
درجات التلوث البيئي
تتوقف درجة التلوث البيئي على طبيعة المادة الملوثة وكذلك على طبيعة النظام البيئى وما يوجد به من توازن بين مكوناته. تختلف درجات التلوث إختلافاً كبيراً يتراوح ما بين التلوث المقبول والتلوث الخطر والتلوث المدمر. فالتلوث المقبول عبارة عن الدرجة الأولى من درجات التلوث التى لا يتأثر بها النظام البيئى ولا يكون مصحوباً بأى مشاكل بيئية لأنها تكون فى الحدود المسموح بها. هذه الدرجة من التلوث كانت قائمة فى معظم دول العالم قبل قيام الثورة الصناعية فى منتصف القرن الثامن عشر حيث كانت مرونة النظام البيئى قادرة على إستيعاب هذه الدرجة وإحتوائها بسرعة. لا توجد بیئة خالیة تماماً من التلوث الان نظراً لسهولة نقل الملوثات المختلفة من مكان إلى آخر سواء كان ذلك بواسطة العوامل المناخیة أو البشریة.
أما التلوث الخطر فهو عبارة عن الدرجة التى تتعدى فيها الملوثات البيئة الحد الحرج المسموح به، مما يؤدى إلى إختلال النظام البيئى ككل ومثل هذه الدرجة من التلوث أقترن ظهورها بالثورة الصناعية وما ترتب عليها من زيادة المخلفات والبقايا الناشئة عن التطور الصناعى والتكنولوجى المصاحب لهذه الثورة والتى مازال تأثيرها مستمراً حتى وقتنا الراهن. فى حين أن التلوث المدمر عبارة عن التلوث الذى تتعدى فيه الملوثات البيئية حد الخطر لتصل إلى حد التدمير و ینهار فیها النظام البيئى ویصبح غیر قادر على العطاء ویحتاج إلى سنوات طویلة لإعادة توازنه مثل حادثة المفاعل النووی فى تشرنوبل.
العوامل التى أدت إلى تفاقم مشكلة التلوث البيئي
الإستنزاف المتزايد للموارد الطبيعية بشكل لا يراعى الإستدامة
إزالة الكثير من الغابات لإستزراع المحاصيل الأقتصادية
الزحف العمرانى والتوسع على حساب الأراضى الزراعية
سوء الممارسات الزراعیة والإفراط في إستخدام الكيماويات الزراعية
تركيز النشاط الصناعى والتجارى فى المدن الكبرى ذات الكثافة السكانية العالية
الإعتماد على مصادر الطاقة التقليدية (الوقود الأحفورى)
تزايد حجم النفايات وتعدد مصادرها وعدم معالجتها بالطرق المناسبة
التراخى فى تقییم الآثار البیئیة فى المشاريع الأقتصادية
مخاطر التلوث البيئى
يسبب التلوث البيئي الكثير من الأضرار البيئية والمشاكل الصحية لكل من الإنسان والحيوان والنبات وفيما يلي أهم هذه الأضرار
المطر الحمضي الذى يعمل على تآكل المبانى ،المنشأت ،الآثار ويقضى على الغطاء النباتي، فضلاَ عن أرتفاع معدل حموضة التربة والمسطحات المائية وبذلك تصبح المياه بيئة غير مناسبة للعديد من الأحياء المائية.
تآكل طبقة الأوزون بفعل بعض المواد الكيميائية مما يؤدى إلى زيادة معدل الأشعة فوق البنفسجية النافذة للأرض وما يتبعه من إصابة الإنسان بالعديد من الأمراض كسرطان الجلد وحدوث تغير فى العوامل الوراثية لبعض الكائنات الحية الدقيقة.
ظاهرة الإحتباس الحراري وما يتبعها من الارتفاع المتزايد فى درجات حرارة الأرض التى تؤدى الى الإشتعال الذاتي للغابات وكثرة الفيضانات وذوبان الجليد وزيادة مستوى ماء البحر وغرق كثير من المدن الساحلية.
تشكّل الضباب الدخانى وتدني مستوى الرؤیة وزیادة تكالیف الإضاءة الصناعیة وإزدیاد نسبة الحوادث
تراكم الملوثات عبر السلاسل الغذائية التى يقف على رأسها الإنسان
إصابة الإنسان بالعديد من المشاكل الصحية مثل أمراض القلب والتنفس والسرطانات المختلفة.
حدوث ظاهرة إغناء الماء Eutrophication وهى زيادة بعض المغذيات في المسطحات المائية كالنيتروجين والفوسفور حيث يؤدى وجود هذه المغذيات بتراكيز عالية للإخلال بتوازن وتنوع حياة الكائنات المائية نتيجة تشجيع نمو الطحالب وإنخفاض نسبة الاكسجين فى المياه.
تدهور التربة الزراعية وإنخفاض إنتاجية المحاصيل الزراعية من نتائج التلوث البيئي
إختلال التنوع البيولوجى وإنقراض بعض مظاهر الحياة النباتية والحيوانية.
معالجة التلوث البيئي
تقول الحكمة القديمة “درهم وقاية خير من قنطار علاج” فيجب العمل على تلافى مخاطر التلوث البيئى فى المراحل المبكرة وذلك بالتخطيط السليم بحيث لا يؤدى الأخذ بوسائل التنمية الصناعية والتكنولوجيا الحديثة إلى حدوث الإختلال بالنظام البيئى ومن أهم الإجراءات التى تعمل على تقليل التلوث البيئي وأضراره ما يلى:
نشر الوعي المجتمعي بأهمیة حمایة البیئة بمختلف الوسائل الأعلامية
إقامة المحميات الطبيعية للحيونات البرية والطيور
تنظیم المراعى على وجه یجمع بین تنمیتها وحمایتها في نفس الوقت
الإهتمام بعمليات التشجير على نطاق واسع و زيادة المسطحات الخضراء
يجب إتباع التخطيط العلمى عند إنشاء المناطق الصناعية والسكنية
ترشيد إستخدام الكيماويات الزراعية مثل الأسمدة والمبيدات
الإهتمام بالمعالجة السليمة لمياه الصرف الصناعى والزراعى والصحى قبل صرفها إلى المسطحات المائية
إستخدام الطرق الكيميائية او الحيوية المناسبة فى معالجة التربة الملوثة نبعاً للتكلفة الاقتصادية
زيادة محطات رصد ومراقبة التلوث بأنواعه المختلفة
رفع كفاءة إستخدام الطاقة في كافة المجالات والتوسع فى إستخدام مصادر الطاقة البديلة
تحسين إدارة المخلفات وإعادة تدوير بدلاً من التخلص منها
دعم برامج البحث والتطویر فى مجال مكافحة التلوث وحماية البيئة
تفعيل تنفيذ التشريعات واللوائح المنظمة التي تساهم في مكافحة التلوث البيئى
وقد وضعت الدولة المصرية من خلال وزارة البيئة سياسات واضحة وقابلة للتنفيذ لتحقيق التنمية المستدامة والحفاظ على البيئة ومجابهة آثار التغيرات المناخية، مستندة إلى إستراتيجية التنمية المستدامة ورؤية مصر ٢٠٣٠ ، بالتوافق مع الأهداف الأممية للتنمية المستدامة ٢٠٣٠ . ومن أهم أولويات هذه السياسات
إدماج الإعتبارات البيئية في الخطط الإستراتيجية
تفعيل مبادئ الشراكة مع كافة الجهات الحكومية وغير الحكومية والقطاع الخاص والبحث العلمي في تحقيق أهداف الدولة فى التنمية المستدامة لمواجهة التلوث البيئي .
الإستهلاك والإنتاج المستدام
المساهمة في التحول للأقتصاد الأخضر
وضع خطط وإستراتيجيات مجابهة التغيرات المناخية.
وختاماً صدق من قال الإنسان بداء حياته على الأرض وهو يحاول أن يحمى نفسه من هوالك الطبيعة وإنتهى به الأمر بعد ألاف السنين وهو يحاول أن يحمى الطبيعة من نفسه.
مقال