في ظل الاهتمام المتزايد بالصحة العامة ورفع المناعة، يبحث المستهلكون بشكل متسارع عن أغذية وظيفية تحتوي على مكونات نشطة تفيد صحتهم وتؤمن مناعتهم. تواجه العديد من هذه المركبات النشطة تحديًا كبيرًا بسبب حساسيتها للتحلل بفعل الحرارة والضوء والأكسجين وظروف التصنيع، بالإضافة إلى أن العديد منها قليل الذوبان، مما يحد من استفادة الجسم منها. هنا تبرز تكنولوجيا الكبسلة كحل مبتكر يتغلب على هذه التحديات، حيث تعمل على تغليف المكونات النشطة في مواد أخرى لحمايتها وتعزيز كفاءتها، مما يفتح آفاقًا جديدة في مجال الصناعات الغذائية ويدعم تطوير منتجات غذائية أكثر أمانًا وفعالية.
عملية الكبسلة (التغليف) (Encapsulation) هي تقنية تقوم على تغليف المكونات النشطة بيولوجيًا – مثل الفيتامينات والإنزيمات والنكهات والأحماض الدهنية – داخل مواد غلافية لتكوين جسيمات دقيقة تتراوح أحجامها بين الميكرومتر والنانومتر . الهدف الأساسي هو حماية هذه المركبات الهشة من الظروف القاسية المحيطة بها، سواء أثناء العمليات التصنيعية أو التخزين، وضمان وصولها بشكل فعال إلى مكان امتصاصها في الجسم.
تعتمد كفاءة عملية الكبسلة على عدة عوامل مترابطة، أهمها اختيار مواد الغلاف: حيث يجب أن تكون المواد المستخدمة في التغليف آمنة ومناسبة للتطبيق الغذائي وقادرة على تشكيل حاجز فعال حول المادة النشطة. ثانيا: تقنية التغليف المستخدمة تتضمن طرقًا متعددة مثل التجفيد ، والتغليف الدقيق، والتغليف النانوي، والاستحلاب ولا تعتبر أي من هذه التقنيات مادة قائمة بذاتها، بل يتم اختيارها بناءً على طبيعة المادة النشطة والمنتج النهائي المطلوب. ثالثا: معاملات المعالجة وهى الظروف التشغيلية أثناء التصنيع مثل درجة الحرارة والضغط والرقم الهيدروجيني (pH) تلعب دورًا حاسمًا في نجاح العملية وكفاءتها .
تلعب تكنولوجيا الكبسلة أدوارًا حيوية ومتعددة في تطوير الصناعة الغذائية، يمكن تلخيصها في النقاط التالية:
أولا: حماية المركبات النشطة وتحسين استقرارها: تحمي المغلفات المركبات الحساسة من التلف بسبب الحرارة، الضوء، الأكسجين، والتفاعلات مع المكونات الأخرى في الغذاء أثناء التخزين والمعاملات التصنيعية ، وبالتالى يحافظ على الفعالية الحيوية للمكونات حتى استهلاكها.
ثانيا: تعزيز التوافر الحيوي (Bioavailability)حيث تجعل الكبسلة المركبات قليلة الذوبان أكثر قابلية للذوبان والامتصاص في الجهاز الهضمي، حيث يخلق التغليف في أحجام النانو سطحًا أكبر للمادة النشطة، مما يزيد من فرص امتصاصها بشكل ملحوظ.
ثالثا: إطالة العمر الافتراضي للمنتج وذلك من خلال حماية المكونات النشطة من العوامل المسببة للتلف.
رابعا: التحكم في إطلاق المادة النشطة (Controlled Release)حيث تدعم بعض تقنيات التغليف الإطلاق المتحكم فيه للمادة الفعالة في الوقت والمكان المناسبين داخل الجسم، مثل الإطلاق في الأمعاء بدلاً من المعدة، مما يزيد من فعاليتها.
خامسا: تحسين الخواص الحسية للمنتج (إخفاء الطعم والرائحة): تسمح الكبسلة بإضافة مكونات مفيدة ولكن ذات طعم أو رائحة غير مرغوبة (مثل زيت السمك أو بعض المستخلصات النباتية) دون الإضرار بالطعم أو رائحة المنتج النهائي،حيث تحمي المغلفات المادة النشطة من التفاعل مع براعم التذوق، كما يتم إطلاقها بعد البلع.
سادسا: تسهيل التداول والتصنيع: تحول الكبسلة المواد السائلة غير المستقرة إلى مساحيق أو حبيبات يسهل تخزينها ونقلها ودمجها في العمليات التصنيعية.
تطبيقات عملية الكبسلة في الصناعات الغذائية
1- منتجات الألبان
يمثل هذا المجال تطبيقًا غنيًا لتكنولوجيا الكبسلة، حيث تم إجراء العديد من الأبحاث لتضمين المركبات النشطة في هذه المنتجات الشعبية،مثل إدراج زيت السمك في الزبادي: تم التغلب على الطعم والرائحة السمكية المزعجة لزيت السمك الغني بأوميجا 3 عن طريق الكبسلة، مما أتاح إنتاج زبادي وظيفي يساعد في خفض الكوليسترول الضار . تدعيم الألبان بالفيتامينات والعناصر المعدنية، حيث تمت بنجاح إضافة عناصر مثل الزنك، السيلينيوم، الحديد، فيتامين C، وفيتامين D، والتي كانت تواجه صعوبات في الظروف التصنيعية قبل استخدام الكبسلة.
2- . الأغذية الوظيفية والمكملات الغذائية (Nutraceuticals)
تُستخدم الكبسلة على نطاق واسع في هذا القطاع سريع النمو، مثل تثبيت المستخلصات النباتية والزيوت، حيث يتم تحويل المستخلصات السائلة والراتنجات الزيتية غير المستقرة إلى مساحيق يسهل استخدامها في التركيبات الغذائية .
3- . تدعيم الأغذية الأساسية
تستخدم الكبسلة في إثراء الأغذية الأساسية بالمغذيات الدقيقة (التدعيم) مثل إضافة الحديد إلى دقيق القمح والذرة،كذلك إضافة اليود إلى ملح الطعام، وأيضا إضافة فيتامينات B إلى مساحيق البروتين.
أثبتت تكنولوجيا الكبسلة أنها أكثر من مجرد أداة تقنية،بل إنها ركيزة أساسية في الثورة الحديثة للصناعات الغذائيةوذلك من خلال حماية المكونات الحساسة ورفع كفاءتها الحيوية،حيث لا تتيح هذه التقنية تطوير منتجات غذائية وظيفية مبتكرة فحسب، بل تساهم بشكل فعال في تحسين الصحة العامة من خلال توفير أغذية أكثر أمانًا وفعالية. ومع استمرار تطور هذه التقنيات وتنوع مواد الغلاف، يمكننا توقع ظهور جيل جديد كليًا من الأغذية الذكية والموجهة لاحتياجات صحية محددة، مما يعزز التحول من التغذية العلاجية إلى التغذية الوقائية والاستباقية، وهو ما يتوافق تمامًا مع متطلبات المستقبل.
مقال
دور تكنولوجيا الكبسلة في تطوير المنتجات الغذائية
إعداد الدكتور / محمد عبد الغنى – باحث بمعهد تكنولوجيا الأغذية- مركز البحوث الزراعية
اقرأ أيضا
«الزراعة » :13 منفذا متحركا لتوفير المنتجات الغذائية بأسعار مخفضة بالفيوم