تعتبر المبيدات الحشرية من الأدوات الأساسية في مكافحة الآفات التي تؤثر سلبًا على الإنتاج الزراعي، حيث تستخدم للحفاظ على المحاصيل والحد من الأضرار التي تسببها الحشرات. ومع ذلك، فإن الاستخدام المكثف والمفرط للمبيدات الحشرية أدى إلى ظهور مشكلة “مقاومة الآفات” لفعل هذه المبيدات، مما يهدد فعالية هذه المبيدات على المدى الطويل. المقاومة هي قدرة الآفات على البقاء على قيد الحياة أو التكاثر رغم التعرض للمبيدات الحشرية. لقد أصبح هذا التحدي مشكلة عالمية تؤثر بشكل كبير على القطاع الزراعي، مما يستدعي البحث في أسباب ظهور المقاومة وطرق التغلب عليها.
أسباب مقاومة الآفات للمبيدات
1. التطور الطبيعي والانتقاء الطبيعي: يحدث تطور المقاومة من خلال الانتقاء الطبيعي، حيث يكون لدى بعض الأفراد في العشيرة مقاومة طبيعية للمبيد. عند تعرض هؤلاء الأفراد للمبيد، ينجون ويتكاثرون، مما يزيد من نسبة الأفراد المقاومين في الجيل التالي. هذا يحدث بشكل أسرع عند استخدام المبيدات بشكل متكرر ودون التزام بالاستراتيجيات المتوازنة في استخدامها (LeOra, 2007).
2. التأثيرات الوراثية: تحدث المقاومة بسبب التغيرات الجينية في الآفات. يمكن أن تظهر مقاومة وراثية بسبب الطفرات التي تطرأ على الجينات المسؤولة عن نشاط الإنزيمات أو القنوات الأيونية التي يتفاعل معها المبيد. كما أن بعض الطفرات قد تؤدي إلى إيقاف تأثير المبيد أو تقليل فعاليته في الآفات (Ffrench-Constant et al., 2004).
3. تعدد الأساليب التي تعتمدها الآفات: تسعى الآفات إلى تكوين آليات مختلفة للمقاومة. فقد يحدث زيادة في قدرة الآفات على تحطيم المبيد باستخدام الإنزيمات (مثل الأسترازات)، أو تغيرات في مستوى امتصاص المبيد، أو حتى في نظام النقل داخل الخلايا الذي يمنع وصول المبيد إلى المكان الفعّال (Pimentel, 2009).
4. الاستخدام المفرط وغير المناسب للمبيدات: يؤدي الاستخدام المستمر وغير المدروس للمبيدات إلى تطور مقاومة الآفات. يعزز الاستخدام غير المناسب للمبيد على نطاق واسع من ظهور آفات مقاومة، خاصة إذا كان استخدام المبيدات يعتمد على نوع واحد فقط أو إذا تم تطبيق المبيد بجرعات غير فعّالة.
التأثيرات السلبية لمقاومة الآفات
تعد مقاومة الآفات للمبيدات الحشرية مشكلة خطيرة تؤثر على العديد من جوانب الزراعة والصحة العامة، ومنها:
1. زيادة التكاليف الاقتصادية: يؤدي ظهور الآفات المقاومة إلى زيادة تكاليف المكافحة، حيث يتعين على المزارعين استخدام كميات أكبر من المبيدات أو استخدام أنواع أكثر تكلفة من المبيدات الفعّالة.
2. المخاطر البيئية: قد تؤدي المقاومة إلى تزايد في استخدام المبيدات الكيميائية، مما يزيد من التأثيرات السلبية على البيئة مثل تلوث التربة والمياه.
3. تأثير على التنوع البيولوجي: في بعض الأحيان، قد يؤدي الاستخدام المكثف للمبيدات إلى التأثير على الكائنات غير المستهدفة، مما يهدد التنوع البيولوجي في النظام البيئي.
طرق التغلب على مقاومة الآفات
من أجل التغلب على مشكلة مقاومة الآفات للمبيدات، تم اقتراح العديد من الاستراتيجيات التي تشمل ممارسات زراعية حديثة، وتطوير تقنيات جديدة، وتنوع طرق المكافحة. ومن أهم هذه الطرق:
1. التناوب بين المبيدات: يمكن تقليل خطر مقاومة الآفات من خلال التناوب بين المبيدات ذات آليات تأثير مختلفة. يساعد هذا في منع الآفات من اكتساب المقاومة ضد أنواع معينة من المبيدات، حيث تكون فرصة ظهور المقاومة أقل عندما يتم تغيير نوع المبيد المستخدم بشكل دوري.
2. استخدام مبيدات متعددة الفعالية: تشير الدراسات إلى أن تطبيق مزيج من المبيدات المختلفة قد يكون أكثر فعالية من استخدام نوع واحد فقط. وذلك لأن الآفات التي قد تكون مقاومة لمبيد واحد لا تكون بالضرورة مقاومة للمبيد الآخر.
3. استراتيجيات المكافحة المتكاملة (IPM): تعتمد هذه الاستراتيجية على دمج عدة أساليب من المكافحة، مثل المكافحة البيولوجية (استخدام الأعداء الطبيعيين للآفات)، والمكافحة الميكانيكية (استخدام المصائد والأجهزة الميكانيكية)، والمكافحة الزراعية (التنوع المحصولي، تقنيات الزراعة العضوية)، جنبًا إلى جنب مع استخدام المبيدات بشكل محسوب ومراقب. وبذلك، يتم تقليل الاعتماد على المبيدات بشكل كبير مما يقلل من فرص ظهور المقاومة.
4. التكنولوجيا الحيوية والمبيدات الجينية: تستخدم التكنولوجيا الحيوية لتطوير نباتات مقاومة للآفات من خلال إدخال جينات مقاومة. على سبيل المثال، يعتبر محصول الذرة المعدل وراثيًاBt Corn الذي يحتوي على جينات مقاومة للحشرات مثالًا ناجحًا على هذه التقنية. كما يمكن تطوير مبيدات حشرية جديدة تستهدف آليات مختلفة تمامًا عن المبيدات التقليدية (Yardim et al., 2020).
5. التقنيات المتقدمة مثل النانوتكنولوجي: النانوتكنولوجي تمثل مجالًا واعدًا في تطوير مبيدات حشرية أكثر تحديدًا، حيث يمكن لهذه التقنية تحسين فعالية المبيدات وتقليل تأثيرها على البيئة. تقوم هذه التقنيات على تقليل حجم الجزيئات النشطة في المبيد لزيادة فعاليته على الآفات مع تقليل الكميات المستخدمة.
6. التوعية والتدريب: زيادة الوعي بين المزارعين حول مخاطر استخدام المبيدات بشكل مفرط أو غير صحيح يعد أمرًا بالغ الأهمية.
كما أن التدريب على طرق المكافحة المتكاملة وتطبيق أفضل الممارسات يمكن أن يساعد في الحد من تطوير المقاومة.
إن مقاومة الآفات للمبيدات هي مشكلة متزايدة ومعقدة تهدد فعالية استراتيجيات المكافحة الكيميائية التقليدية.
ومن أجل التغلب على هذه المشكلة، يجب أن تتضافر جهود العلماء والباحثين مع المزارعين وصناع السياسات لتطوير استراتيجيات متكاملة وفعالة للمكافحة. من خلال تنوع الأساليب المستخدمة والاهتمام بتطوير مبيدات جديدة، يمكن التقليل من تأثير مقاومة الآفات وضمان استدامة الإنتاج الزراعي.
إعداد
الأستاذ الدكتور/ مجدي فاروق السماحي
أستاذ النانوتكنولوجي ووقاية النبات – معهد بحوث وقاية النباتات – مركز البحوث الزراعية
رئيس فرع الاتحاد العربي للتنمية المستدامة والبيئة بكفر الشيخ
مسئول برنامج مطبقي المبيدات بمحافظة كفر الشيخ
المشرف العلمي لدودة الحشد الخريفية بمحافظة كفر الشيخ
عضو مجلس إدارة جمعية مجلس علماء مصر
عضو لجنة أخلاقيات البحث العلمي بجامعة كفر الشيخ
مستشار مجلس إدارة المجلة العلمية أهرام قسم العلوم
اقرأ أيضا
اشتراطات وخطة مكافحة “الدودة القارضة” على محصول الفراولة
محصول المانجو.. خطة التعامل مع “التزهير المبكر” واشتراطات “التطهير والرش الحشري”
قواعد تحجيم الموالح وعلاقتها بعملية التقليم وحقيقة استخدام الهرمونات
لا يفوتك
دور الارشاد الزراعي في مواجهة التحديات وزيادة الانتاجية الزراعية