نشأة الزراعة في عصر ما قبل التاريخ مقال تكتبه الدكتورة فاطمة سامي لتفند مراحل تطور ونشأة الزراعة في مرحلة حضارات ماقبل التاريخ.
كان اختراع الإنسان للكتابة في سومر بالعراق تقريبا في الفترة ما بين 3400 و 3200 ق.م. حدث فاصل في تاريخه. فما قبل اختراع الكتابة يسمي بعصر ما قبل التاريخ و ما تلي ذلك الحدث يسمي العصور التاريخية. تمتد حقبة ما قبل التاريخ من 2مليون سنة الي 3400 ق. م. حيث يعود اقدم أثرللانسان علي الأرض. كيف استطاع العلماء قراءة صفحات ذلك التاريخ الغير مكتوب؟ كيف و متي تعلم الزراعة و ما كان أثرها في تغيير وجه الحياة علي الأرض؟
ظلت حقبة ما قبل التاريخ تخفي اسرارها في جوف الأرض حتي عام1856 م عندما اكتشف جوهان فوهلروت و هيرمان شيفاهسون العظام البشرية المتحجرة لأول مرة بالقرب من دسلدورف بألمانيا، لتكون بداية اكتشافات توجت بتأسيس علم جديد (علم الأحياء القديمة) علي يد تشارلز شوشيرت في عام 1904 م. جمعت صفحات ذلك التاريخ من العظام و البقايا و رسوم الكهوف و الأدوات الحجرية و البذور المتحجرة ة الأحافير.
و قد كان استاذي الراحل، الأستاذ الدكتور وجيه السعداوي أستاذ علم الحفريات بكلية العلوم جامعة عين شمس رائد علم الحفريات في مصر.
ينقسم عصر ما قبل التاريخ إلى خمس فترات
1- الفترة الضاربة في عمق التاريخ (عصر حجري قديم سفلي) ما بين 2 ملايين سنة إلي 100.000 سنة. بداية ظهور الإنسان على الأرض قبل نحو 2 مليون سنة (الإنسان المنتصب واسترالوبيكتس).
2- الفترة المتوسطة لعصر ما قبل التاريخ (عصر حجري قديم وسيط) ما بين 100.000إلي 35.000 سنة: ظهور الإنسان الماهر و النياندرتال والإنسان الحديث إنسان عاقل. انتشار الإنسان الحديث على الأرض خارجا من أفريقيا (نظرية الخروج من أفريقيا).
3- الفترة العليا من ما قبل التاريخ (عصر حجري قديم علوي) ما بين 30.000 إلي 10.000 سنة. انقراض النياندرتال وانتشار الإنسان الحديث في جميع بقاع العالم.
4- العصر الحجرى الحديث في الفترة ما بين 10.000 إلي 5.500 سنة ق.م. اكتشاف الزراعة في الشرق الأوسط ووادي النيل والصين والهند ،العيش في جماعات، و في أوروبا عاش الإنسان كصياد وجامع للثمار.
5- عصر ما قبل الأسرات في الفترة ما بين 5500 إلي 3100 سنة ق.م. الحضارات الأولى على ضفاف الأنهار، قبل عصر الأسرات في مصر و العراق و الهند و الصين. اختراع الكتابة و ابتكار أدوات لزراعة الأرض وجني المحاصيل، صناعة الفخار و النسيج، تربية المواشي والأغنام.
شعوب ماقبل التاريخ و نشأة الزراعة
يطلق العلماء على أقدم الأجناس البشرية مصطلح الإنسان الماهر (هومو هبيليس)، استخدموا الأدوات الحجرية وعاشوا في جماعات، يؤرخ لأقدم أحافير الإنسان الماهر (هومو هبيليس) بنحو 1,900,000عام و ذلك في كينيا (بحيرة توركانا). يلي الإنسان الماهر نوع آخر يسمى الإنسان المنتصب (هومو إركتوس)، استخدموا آلات التقطيع والفؤوس اليدوية وتعلمت إشعال النار، وربما كانت أول البشر الذين ارتدوا الملابس، يؤرخ لأقدم أحافير الإنسان الماهر (هومو هبيليس) بنحو 1,600,000عام، كان الإنسان المنتصب (هومو إركتوس) أول نوع من الجنس البشري ينتقل خارج إفريقيا.
وتم اكتشاف أحافير وبالقرب من هايدلبيرج بألمانيا و جزيرة جاوة بأندونيسيا و بكين بالصين. الإنسان العاقل (هومو سابينز)، وأشهر مثال للإنسان العاقل المبكر يتمثل في مجموعة من الناس يطلق عليهم إنسان نياندرتال، وقد عاشوا في أجزاء من إفريقيا وآسيا وأوروبا منذ حوالي 100,000 سنة وحتى حوالي 35,000 سنة مضت. صادوا الأسماك والطيور و الجاموس والأفيال.
وقد صنعوا الأدوات من الشظايا الحجرية. وُجدت أحافير بشرية في عدة أماكن منها اثنتان يبلغ عمرهما 130,000 سنة تم العثور عليهما في وادي نهر أومو في جنوب أثيوبيا. ومجموعة أخرى من الأحافير عمرها 65,000 سنة بزامبيا. في العام 2010 نشرت صحيفة ساينس معلومة مفادها أن الحمض النووي للنياندرتال مشابه للحمض النووي لإنسان اليوم بنسبة 99.7 %.
الخطوات الأولى نحو الزراعة و نشأة الزراعة
جمع الإنسان الحبوب البرية وأكلها منذ ما لا يقل عن 105,000 عام. لم يعرف الأستقرار و كان دائم الترحال بحثا عن الطعام و الدفيء. و من الجمع و الصيد إلي استئناس النباتات والحيوانات كانت البداية إلي تعلم الزراعة، عرف انواع الحيوانات المفيدة له و تربيتها و كذلك النبات. و بانتهاء العصر الجليدي منذ 10,000 سنة قبل الميلاد و انتشار الجفاف رحلت جماعات البشر إلي ضفاف الأنهار بحثا عن الغذاء و الماء فتعلم الزراعة و التي كانت المحور الأول في تغيير مسيرة الحضارة البشرية.
تعلم الأنسان و لأول مرة معني الأستقرار و الأرتباط بالأرض، فبني البيوت و تكونت الأسر، و من مجموعات الأسر و البيوت تكونت القري ثم المدن ليبدأ عصر نشأة الزراعة.
انتشرت القرى الزراعية في كل جنوب غربي آسيا وجنوب شرقي أوروبا بحلول العام 6000 ق.م. ومنذ عام 5000 تقريبًا ق.م توغل المزارعون في مناطق الغابات الباردة في أوروبا، ما عدا منطقة الغابات الكثيفة الشمالية.
انتشار الزراعة
هناك من يرى ان الموطن الأول للزراعة هو جنوب شرق آسيا حيث تتوافر في هذه المنطقة كل المقومات اللازمة لنشأة الزراعة ففي هذه المنطقة تنوع تضاريسي ونباتي كبير، كما تتميز بمناخ رطب تسوده الرياح الموسمية التي تسقط امطارا غزيرة بهذه المنطقة، كما تتميز بفترات جفاف وبوجود عدد من الأنهار التي تساعد على الاتصال بين أجزاء العالم القديم وبالدفء الذي يساعد على حياة الانسان دون تعرض لشدة البرد الذي لا يقوى على مقاومته او الجليد الذي يعوق نشاطه، كما تتوافر في هذه المنطقة الظروف المناسبة للحياة البشرية والحيوانية.
حضارات ما قبل التاريخ و نشأة الزراعة
قامت علي ضفاف نهر النيل أول حضارة عرفها الأنسان. ظهرت في مصر حضارتان سبقتا الحضارة الفرعونية و قبل اكتشاف الكتابة.
1- حضارة البدارى ونشأة الزراعة
هذه الحضارة أول دليل على نمو الزراعة في مصر وشمال أفريقيا حوالي 5000 قبل الميلاد . وقد تم اكتشاف أكثر من 40 موقع و600 مدفن يدلون على تقدم التقسيم الاجتماعي بين طبقات وهو ما تشير إليه آثار قرية )الهمامية (محافظة أسيوط. اعتمد الاقتصاد على الصيد والزراعة وتربية الحيوان، فوجدت أدوات مختلفه في المقابر مثل الأسهم والأدوات الزراعية – والمحاصيل مثل القمح والعدس .
2- حضارة نقادة ونشأة الزراعة
نقادة هي مدينة ومركز بمحافظة قنا. نقادة حضارة مصرية قديمة من 4500 – 3000 قبل الميلاد وتلت حضارة البداري وقد قسمها العلماء إلى ثلاثة حضارات تمتد عبر نحو 1400 سنة وهم حضارة نقادة الأولى وحضارة نقادة الثانية وحضارة نقادة الثالثة. والمتتبع لتك الحضارات يلاحظ تطورا سريعا بين تلك الاحقاب حيث اشتهرت حضارة نقادة بالتقدم الاقتصادي والصناعي والفني والتكوين الاجتماعي والسياسي السريع مما أدى إلى نشأة إمارات كبيرة متقدمة في مصر القديمة وتكللت تلك الحضارة بتكوين الوحدة بين شمال مصر وجنوبها مع بدء حكم الأسرة الأولى.
نشأة النباتات المنزرعة في العالم
وقد قام العالم الروسي Valvilov بتحديد مراكز نشأة النباتات المنزرعة Center of Origin على أسس نباتية وراثية وسيتولوجية وجغرافية ومناخية متبعا في ذلك طريقة اسماها بالطريقة النباتية الجغرافية المتباينة Differential Phyogeographical Method وطبقا لهذه الطريقة امكنه تحديد ثماني مناطق تعتبر مراكز لنشأة النباتات المنزرعة
1- منطقة الصين ونشأة الزراعة
وهي اقدم واكبر مركز مستقل للزراعة في العالم. ويشمل المناطق الجبلية والسهول المجاورة لوسط وغرب الصين ويحتوي على نحو 136 نوعا نباتيا. ومن النباتات المنزرعة المتوطنة التي نشات في هذا المركز بعض أنواع الدخن والذرة والشعير وفول الصويا وقصب السكر والقنب والبصل.
2- جنوب شرق آسيا
وتشمل آسام وبورما والهند التي تعد المركز الثاني في الأهمية وتحتوي على نحو 173 نوعا نباتيا. ويوجد فرع آخر لهذا المركز في جنوب شرق آسيا (الملايو وجاوه وبورينو وسومطرة والفلبين). وهذه المنطقة تعتبر الموطن الأصلي للأرز والحمص والسمسم والقطن الآسيوي وبعض أنواع قصب السكر والقرطم والجوت.
3- منطقة وسط آسيا
ويشمل هذا المركز منطقة الشمال الغربي للهند (كشمير والبنجاب) وأفغانستان وجنوب روسيا. ويحتوي هذا المركز على 42 نوعا نباتيا. وتعتبر هذه المنطقة موطن القمح الدارج (قمح الخبز) والشيلم والبسلة والعدس والفول والحمص والفاصوليا والجلبان والكتان والقرطم والتيل والقطن العشبي Gassypium herbacium.
4- منطقة الشرق الأدنى و نشأة الزراعة
وتشمل تركيا وايران والقوقاز والتركستان وتحتوي على 83 نوعا نباتيا. وتعتبر هذه المنطقة الموطن الأصلي للقمح الدكر (قمح المكرونة) والقمح الدارج (قمح الخبز) والقمح المتفرغ، والقمح وحيد الحبة، والشعير، والعدس، والحلبة، والترمس، والبرسيم الحجازي، والكتان، والسمسم، والشيلم، والشوفان.
5- منطقة حوض البحر المتوسط
وتشمل المناطق المحيطة بالبحر المتوسط. وقد نشأت بها بعض النباتات الأقل أهمية من المناطق السابق ذكرها وتحتوي على 84 نوعا نباتيا. وهي تعتبر موطنا للقمح الدكر (قمح المكرونة) والشعير والعدس والترمس والحمص والفول والجلبان والبرسيم الأبيض.
6- منطقة اثيوبيا واريتريا
وتعتبر هذه المنطقة مركزا يحتوي على 38 نوعا نباتيا. وقد نشأت فيه أيضا بعض أنواع القمح والشعير الحبشي الصلد والذرة الرفيعة والدخن والحمص والفول والحلبة والترمس والقرطم والسمسم.
7- منطقة جنوب المكسيك وامريكا الوسطى
وتشمل المناطق الجنوبية للمكسيك وجواتيمالا وكوستاريكا وتحتوي على 38 نوعا نباتيا. وتعتبر هذه المنطقة الموطن الأصلي للذرة الشامية والقطن الابلاند (الأمريكي) والفاصوليا والسيسال والبطاطس وبعض أنواع الدخان والكاكاو.
8- منطقة أمريكا الجنوبية ونشأة الزراعة
وتشمل المناطق الجبلية لبيرو وبوليفيا وشيلي والبرازيل وبأرجواي وجزء من اكوادور وتحتوي على 62 نوعا نباتيا. وقد نشا في هذه المنطقة البطاطس والدخان وقطن سي أيلاند الذي ينتمي اليه القطن المصري.
المراجع
Sauer, (1952). Agricultural origins and dispersals. New York, P. 21.-
– PhenoEarth – The mystery of Neanderthals’ massive eyes. فييونيو 2019.
-Schuchert. The Discovery of Earth’s Earliest Fossils. Princeton, page 170
مقال
نشأة الزراعة في عصر ما قبل التاريخ
للدكتورة فاطمة سامي
قسم الفلورة وتصنيف النباتات
معهد بحوث البساتين بمركز البحوث الزراعية
اقرأ أيضا
د. فاطمة سامي تكتب.. دماء علي لحاء شجرة
لا يفوتك
حديقة الزهرية الملكية ..أعرق حدائق زهور العالم على أرض مصر