كل منا يحب لنفسه ولأطفاله قامة طويلة ممشوقة وقوة في العضلات، فأصبح الأهل أكثر حرصا على قياس طول أولادهم باستمرار رغبة منهم ليس فقط في الحفاظ على صحتهم العامة بل في الحصول علي القوام المتناسق ولن يتحقق ذلك إلا من خلال اتباع نظام غذائي صحي يحتوي على كافة العناصر الغذائية المتوازنة.
أوضحت نتائج أحد تقارير منظمة الصحة العالمية عن عام 2017 والمنشور في يونيو 2021 ان عدد قصار القامة حول العالم بلغ حوالي 155 مليون طفل دون سن الخامسة، وهو عدد كبير بالفعل بالمقارنة بعدد الأطفال المصابة بالامراض الاخرى مثل السمنة والنحافة مثلا، ومعظم هؤلاء متواجدين في أفريقيا وآسيا مقارنة بـ165 مليون طفل قصير القامة بالنسبة لأعمارهم في عام 2012 مما يوضح إحراز تقدم ضعيف في الحد من التقزم بين الأطفال كما ذكر في التقرير، وقد استأثرت أفريقيا وآسيا بنسبة 39 و55 % من اجمالى الأطفال الذين يعانون من التقزم على التوالي عام 2017. وتشير بعض الدراسات إلى أن التقزم الغذائي يصل في بعض الدول العربية إلى 38% من إجمالي عدد الأطفال، وفي الشرق الأوسط، تراجعت نسبة انتشار التقزم بشكل عام من 30% إلى 22,4%، بما يمثل 10 مليون طفل في عام 2000 بينما كانت 9,2 ملايين طفل في عام 2017. وهكذا المشكلة تحتاج من الآباء والمجتمعات إلى تحرك سريع.
21 % من أطفال مصر يعانون من التقزم بحسب إحصائية لوزارة الصحة المصرية
ووفق إحصائية رسمية لليونيسف ومنظمة الصحة العالمية ووزارة الصحة المصرية عام 2020 فإن 21% من أطفال مصر يعانون من التقزم حيث يعاني هؤلاء الأطفال من قصر القامة وضعف العضلات مما يؤثر عليهم ذهنيا و بدنيا (نقص في معدل النشاط) مقارنة بأقرانهم.
يشتمل مصطلح سوء التغذية على بعض الحالات الصحية مثل نقص التغذية، الذي يشمل الهزال (انخفاض الوزن بالنسبة إلى الطول)، والتقزم (قصر القامة أو نقص الطول بالنسبة إلى العمر)، ونقص الوزن (انخفاض الوزن بالنسبة إلى العمر).
يطلق على نقص الطول بالنسبة للعمر مصطلح التقزم وهو من أكثر الأمراض شيوعا عند الأطفال لأسباب ترجع لعدم كفاية العناصر الغذائية، والممارسات الغذائية الضارة للرضع والأطفال الصغار، وتراجع نسب الرضاعة الطبيعية خاصة في المجتمعات التي ينتشر بها سوء التغذية الناتج عن نقص التغذية المزمن أو المتكرر مما يجعله يواجه نقص في معدل نموه الطبيعي وتعبه وارهاقه بصورة مستمرة، ويظهر عليه علامات الانفعال بشكل سريع، وقد يصل الأمر أشده عندما يوجد تأخير في التعلم بسبب بطء التطور السلوكي والفكري. وعادة ما يرتبط ذلك بتردي الظروف الاجتماعية والاقتصادية والصحية للأمهات وبطريقة تغذيتهم وعدم تغذية الرضع والأطفال الصغار ورعايتهم على النحو الملائم في مراحل الحياة المبكرة وقد وجد أن التقزم يمنع دون تحقيق الأطفال لإمكاناتهم الجسمانية والإدراكية.
يفضل البعض استخدام المصطلحات “قصر القامة” أو “الصغار” عن استخدام “القزم” أو “القزامة”. لذا فمن المهم مراعاة الوصف الذي يطلق علي المصاب بهذا الاضطراب. يرتبط طول الإنسان بمجموعة من العوامل الوراثية والهرمونية والتغذوية والبيئية وغيرها من العوامل الأخرى فهذا وقد ينتج التقزم كأثر جانبي للأمراض المزمنة الخطيرة، العوامل الوراثية أكثرها حدوثا كنتيجة طبيعية لحدوث طفرات جينية للأبوين وهي أكثر العوامل الرئيسية الهامة التي تؤثر على الفروق الفردية في الطول التي من المستحيل منع حدوث القزامة فيها أو علاجها كما يصعب التحديد بشكل قاطع ما إذا كان الطفل سيولد قزماً أم لا.
اضطرابات هرمون النمو و القصور في الغدة النخامية
يلى العوامل الوراثية في الأهمية العوامل الهرمونية المتعلقة باضطرابات هرمون النمو و القصور في الغدة النخامية حيث أن هرمون النمو هو سبب شائع للتقزم الذي يحدث عندما تفشل الغدة النخامية في إنتاج كميات كافية من هرمون النمو، وهو أمر ضروري للنمو الطبيعي في مرحلة الطفولة. ثم يأتي دور العوامل المتعلقة بالتغذية حيث يؤثر الغذاء بشكل كبير على طول الطفل، خاصة في العامين الأولين من عمره، ثم تقل قدرة تأثير الغذاء تدريجيا بعد ذلك، فلا يوجد غذاء يمكن أن يعالج قصر القامة إذا حدث، ولكن يمكن للغذاء أن يساهم بشكل فعال في الوقاية منه، خاصة مع عدم وجود أمراض أخرى.
نقص التغذية المزمن ينجم عنه قصر القامة أو التقزم الغذائي وإذا كثر عدد الأفراد التي تعاني من نقص الطول في مجتمع معين فإنها إشارة إلى أن هذا المجتمع يعاني أفراده من نقص في الغذاء الصحي لفترات طويلة في ظروف بيئية قاسية وبسبب عدم وجود التغذية السليمة غالباً ينخفض متوسط الطول ويأخذ التقزم شكل قصر القامة البسيط أو يسمي التقزم المتناسق يصاحبه النقص في الحجم والوزن في جميع أجزاء الجسم لتصبح صغيرة بالدرجة نفسها وتبدو متناسقة دون ظهور أي تشوهات عظمية لا يمكن السيطرة عليها حتي بالتدخل الطبي الجراحي إلا نادرا. ويرتبط قصر القامة المرتبط بنقص السعرات الكلية ونوعية الغذاء التي لا توفر احتياجات النمو، مثل البروتين عالي الجودة، والنقص في الفيتامينات خاصة فيتامين (أ) و(د) و(ج)، والنقص في الأملاح المعدنية خاصة الزنك، والحديد، والنحاس، واليود، والكالسيوم، والفوسفور والماغنسيوم. فإذا حدث النقص لمدة طويلة من تلك المغذيات، تكون الأولوية أن يحافظ الجسم على وظائفه الأساسية، ويحدث ذلك على حساب نمو طول الطفل الذي يحتل المكانة الثانية في تلك الظروف.
وبالنظر إلى أهم العناصر المعدنية التي لها علاقة بقصر القامة نجد أن مليجرامات قليلة من الزنك يوميا تغير حياتك حيث يحتاج جسم الإنسان لكميات ضئيلة من الزنك، لكنها أساسية للحفاظ على بعض العمليات الحيوية للجسم فهو من العناصر المعدنية المهمة في الجسم وخاصة جسم الأم الحامل والمرضع وبالتالي الطفل، حيث يحفز الزنك إنتاج الإنزيمات والبروتين وسلامة الخلايا، كما يساعد هرمون النمو والأنسولين وغيرها من الهرمونات الموجود في الجسم على القيام بوظائفها كما يساعد في الوقاية من حدوث قصر القامة أو التقزم وخاصة في الاطفال. وتنصح الجمعية الألمانية للتغذية بتناول البالغين من الجنسين كميات من الزنك تتراوح بين 7 إلى 10 ملليجرام يوميا بينما تتراوح الكمية التي يحتاجها الأطفال الرضع من يوم الي عام تحتاج من 3-5 مليجرامات عادة تتوفر في حليب الأم أو أثناء الرضاعة الصناعية, و10 مليجرامات للاطفال حتى سن العشر سنوات بينما تحتاج الحوامل والمرضعات يوميا الى حوالي 13 مليجرامات. وجدير بالذكر أن أشهر مصادر الزنك في الأطعمة هو المحار (15 ملليجرام/100 جم) والمكسرات مثل الفول السوداني (6ملليجرام/100جم)، والحبوب الكاملة وجنين القمح (17 ملليجرام/100جم) بذور الكاكاو (9 ملليجرام/100 جم)، ومن مصادر الزنك ايضا الاكثر شيوعا اللحوم مثل لحوم الأبقار والدجاج والبيض والكبدة والأسماك وفواكه البحر والأجبان والبقوليات مثل الفول والعدس الفاصوليا، بالإضافة إلى تناول الزنك عن طريق تناول جرعات محددة من الكبسولات الدوائية لتعويض النقص فيه تحت إشراف طبي.
عوامل الوقاية من التقزم
من العوامل الهامة للوقاية من التقزم الغذائي هو مراعاة طعام الأم الحامل وطعام الطفل في خلال أول عامين مع ضرورة تنوع طعامها في الطفولة وقبل البلوغ بالتغذية السليمة هامة لسلامة البنيان وطول القامة مع تجنب الأطعمة التي تعيق النمو التي تساهم في تدهور المناعة وتؤثر في نمو وصحة العظام وتعيق امتصاص العناصر الغذائية الأخرى ومن تلك الاغذية المشروبات الغازية والسكر والعصائر المحلاة والملح والقهوة والدهون المهدرجة والمواد الحافظة والملونات الصناعية لذلك يجب استبدالها بالغذاء الصحي النافع.
لإكتشاف مشكلة قصر القامة أو التقزم الغذائي وعلاجها مبكراً يتم تشخيص الحالات عن طريق أخذ القياسات اللازمة كالطول والوزن ومحيط الرأس ومقارنتها بالنسب المفترضة بالنسبة للعمر, كما يمكن اكتشاف أمراض الغدة النخامية والتي تلعب دوراً في حالة نقص إفراز الكمية اللازمة من هرمون النمو خلال وقت مبكر من الحياة. وقد حذرت تقارير منظمة اليونيسف من ارتفاع عدد الأطفال الذين يعانون من عواقب النظام الغذائي الغير صحي, لذلك يجب تغيير طريقة فهمنا لسوء التغذية وهذا لا يقتصر فقط على توفير الطعام الكافي للأطفال بينما الأهم من ذلك هو حصولهم على الغذاء المناسب. لذلك نحتاج إلى تطبيق إستراتيجيات جديدة قائمة على التشخيص المبكر والعلاج المبسط، وتحسين سبل حصول الأطفال الصغار على أنظمة غذائية مفيدة، تتضمن مكملات غذائية مباشرة، ثبت دورها في تحسين النمو والحد من الهزال والضعف. وهكذا يمكن علاج التقزم الناتج عن سوء التغذية عن طريق اتباع نظام غذائي مناسب. كما ينبغي الاهتمام بالغذاء السليم وممارسة الأنشطة الرياضية، ومحاولة مشاركة الطفل في الأنشطة المختلفة حيث أن الغذاء والرياضة ضروريان معا لتعزيز النمو، حيث أن لعب الطفل في الهواء الطلق يساعده ليحصل على فيتامين (د) الذي يساعد على امتصاص الكالسيوم ويزيد من قوة العظام وبناء العضلات ويحسن المناعة، مع ضرورة المتابعة المستمرة لحالته لتوفير الدعم اللازم له داخل وخارج المنزل. في النهاية تتجمع هذه العوامل معا للمساعدة في صناعة جيل جديد يتمتع بصحة جيدة وذهن صافي وذكاء واضح.
اعداد
أ.د./ غادة محمد يوسف
رئيس بحوث بقسم بحوث الأغذية الخاصة والتغذية
اقرأ أيضا
سوسة النخيل الحمراء.. وكيل زراعة الفيوم يُوصي بـ 10 طرق للمكافحة
زراعة الفول البلدي .. باحث يقدم 13 توصية لتحقيق أعلى إنتاجية
3 معامل بمعهد بحوث الهندسة الوراثية الزراعية تحصل على الأيزو في الأغذية والأعلاف
لايفوتك
” المفيد ” .. أول تطبيق ارشادى زراعى