في الآونة الأخيرة زاد الاهتمام بالمنتجات الغذائية التي لها تأثيرات صحية مرتبطة بتحسين كفاءة النظام المناعي للإنسان. ومع انتشار فيروس كورونا في السنتين الأخيرتين أصبح البحث عن منتجات غذائية وظيفية من الضرورة بمكان لمواجهة الآثار الكبيرة لهذا الفيروس والتي يرتبط حدوثها بضعف مناعة الأشخاص خاصة الفئات الحساسة مثل المصابون بأمراض الجهاز التنفسي وكبار السن.
يرتبط الدور الإيجابي للأغذية الوظيفية بوجود بعض العناصر الغذائية المحسنة للصحة مثل بعض البروتينات والألياف الغذائية وبعض أنواع البكتريا المعروفة بالبكتيريا الداعمة للحيوية. في هذا الصدد، تعتبر منتجات الألبان أحد أهم وأشهر الأغذية الوظيفية ويعتبر لبن الأم أول غذاء وظيفي عرفه الإنسان حيث يحتوي على معظم إن لم يكن كل العناصر الغذائية اللازمة لنمو الأطفال الرضع بالإضافة إلى احتواءه على بعض المكونات الفعالة ذات التأثيرات المحسنة للصحة مثل البروتينات، الاوليجوسكاريد، الأحماض الدهنية، الفيتامينات والمعادن.
وجود هذه المكونات له تأثير إيجابي كبير على صحة الأطفال الرضع. يرجع ذلك بشكل كبير إلى احتواء لبن الأم على بروتين فعال متعدد الوظائف يسمى اللاكتوفيرين.
يعتبر هذا البروتين أحد أنواع بروتينات الشرش وله وظائف كثيرة منها منع الإصابة بالأنيميا (حيث يعمل كناقل للحديد ومحسن لامتصاصه)، تحسين النظام المناعي، تحسين صحة العظام، منع العدوى الميكروبية وتخفيف حدة الاستجابة الالتهابية التي تحدث في الأمعاء نتيجة حدوث عدوى ميكروبية.
تفاصيل عزل بروتين اللاكتوفيرين لأول مرة من لبن الأبقار
وقد عزل هذا البروتين لأول مره من لبن الابقار ثم من لبن الام كما انه يعتبر ثاني أكثر البروتينات تركيزا في لبن الام وينتمي الى عائلة الترانسفيرين التي تتميز بقدرتها على ربط ونقل الحديد وتنظيم عملية امتصاصه. كما انه يعتبر البروتين الرئيس القادر على الارتباط بالحديد في اللبن. ويفرز بواسطة الخلايا الطلائية في معظم الثدييات ويعتبر خط الدفاع الاول للجسم ضد العدوى الميكروبية. ويتواجد بتركيز عالي في سرسوب لبن الام (7 جرام/لتر) ويقل تركيزه اثناء فترة الرضاعة ليصل الى 1-2 جرام /لتر في لبن الام بينما يكون تركيزه في سرسوب وألبان الابقار اقل بمقدار 10 مرات مما هو في سرسوب ولبن الام.
طريقة انتقال اللاكتوفيرين إلى دم الأطفال الرضع
وفي الأطفال الذين يتغذون على لبن الام ينتقل 3 جرام من اللاكتوفيرين يوميا الى مجرى الدم خلال الثلاثة ايام الاول بعد الولادة حيث يمكن ان تصل الى اماكن الالتهابات البعيدة عن القناة الهضمية ولذلك يلاحظ ان العدوى الميكروبية والالتهابات المعوية تحدث بدرجة اقل في الاطفال حديثي الولادة الذين يتغذون على لبن الام كمصدر غذائي وحيد عنه في هؤلاء الاطفال الذين يتغذون على تركيبات البان الاطفال المصنعة (التي تخلو من هذه المكونات الفعالة). ويكون للاكتوفيرين الموجود في لبن الام القدرة على الانتقال على صورة بروتين كامل من الامعاء الى مجرى الدم لأنه بروتين ثابت ضد الهضم بدرجة كبيرة.
من الناحية التركيبية فان الوزن الجزيئي للاكتوفيرين في لبن الام يعادل 80 كيلو دالتون ويتكون من 703 حمض اميني بينما لاكتوفيرين لبن الابقار له وزن جزيئي يعادل 77 كيلو دالتون ويتكون من 689 حمض اميني. واللاكتوفيرين عباره عن جليكوبروتين يتكون من سلسله مفرده من عديد الببتيد التي تنقسم الى فصين يتصلان معا بواسطة منطقه حلزونية. ويحتوي كل فص على منطقة مخصصة لربط الحديد ومنطقة اخرى للارتباط بالشق الكربوهيدراتي. ويتشابه الفصان من حيث التكوين لكنهما يختلفان في درجة قابليتهما للارتباط بالحديد. ويتشابة لاكتوفيرين اللبن البقري ولاكتوفيرين لبن الام من حيث التركيب ونسبة التشابه بينهما في ترتيب تتابعات الاحماض الامينية تصل الى 70 %.
ويعتبر الحديد المعدن الرئيسي الذي يُربط او يُخلب بواسطة اللاكتوفيرين. أيضا، يعتبر اللاكتوفيرين بروتين ثابت بدرجة كبيرة ضد التحلل البروتيني سواء معمليا او داخل القناة الهضمية.
وعلى الرغم من ان اللاكتوفيرين غير المتحلل مهم جدا فيما يتعلق بامتصاص الحديد حيث ان الصورة الكاملة من البروتين تستطيع نقل الحديد الى داخل الخلايا الطلائية المعوية، الا ان الهدم الجزئي للاكتوفيرين يؤدي الى تكوين بعض الببتيدات النشطة بيولوجيا ويكون لها وظائف فسيولوجية متعددة. تسمى الببتيدات الحيوية الناتجة من هضم اللاكتوفيرين باسم اللاكتوفيريسين وهو تتابع يحمل شحنة موجبة ويوجد في المنطقة بين 17-41 حمض اميني وهو بطول 25 حمض اميني ويحتوي على 5 احماض امينية ارجنين موجبة الشحنة في لاكتوفيرين اللبن البقري بينما لاكتوفيريسين لبن الام يكون بطول 49 حمض اميني تقع في المنطقة بين 1-49 ويحتوي على 8 احماض امينية ارجنين ويسمى الجزء من الحمض 1 الى الحمض 11 باسم اللاكتوفيرامبين. ويكون الاختلاف في تركيب وعدد الاحماض الامينية موجبة الشحنة وحجم الببتيد هو المسئول الرئيسي عن الفعل الوظيفي للببتيد والخاص بقدرته على العمل كمضاد للميكروبات او للالتهابات. حيث يرتبط اللاكتوفيرين او الببتيدات موجبة الشحنة المشتقة منه بأحد مكونات الجدار الخلوي للميكروبات الممرضة (الليبوبولي سكاريد) الذي يتميز باحتوائه على بعض مجموعات الفوسفات سالبة الشحنة. ومن المفيد هنا ان نذكر ان الببتيدات المشتقة من اللاكتوفيرين لها قدرة اعلى على منع العدوى الميكروبية والالتهابات المعوية من البروتين نفسه ويرجع ذلك الى حجمها الصغير مما يسهل من دخولها الى الغشاء الخارجي للخلايا البكتيرية الممرضة ووصولها وتفاعلها مع مجموعات الفوسفات سالبة الشحنة لليبوبولي سكاريد.
وقد أكدت العديد من التجارب الاكلينيكية أن انتقال البكتريا الممرضة من القناة الهضمية إلى أجزاء الجسم الأخرى مثل العقد الليمفاوية الوسطى، الكبد، الطحال ومجرى الدم تؤدي إلى تنبيه حدوث العدوى الميكروبية. وعند وصول الميكروبات الممرضة أو سمومها إلى مجرى الدم يحدت أعلى تنشيط لخلايا المناعة مؤديا إلى حدوث استجابة مناعية مزمنة نتيجة تكون العديد من المكونات المحفزة للالتهابات فى الأمعاء مؤدية إلى زيادة في نفاذية الأغشية الخلوية للخلايا المعوية ويصاحب ذلك زيادة انتقال السموم الميكروبية عبر الحواجز ما بين الخلايا الطلائية.
وتتسبب هذه المكونات الذائبة في تكوين السيتوكين المنبهة للالتهابات كما أنها تؤدي إلى خفض درجة حرارة الجسم، تجلط الدم داخل الاوعية الدموية، فشل بعض اعضاء الجسم وصدمة التهابية وأحيانا الوفاة.
يعتبر النشاط المضاد للالتهابات الخاص باللاكتوفيرين واحد من أهم الأدوار الوظيفية المعروفة للاكتوفيرين على نطاق النظام المناعي. ويقوم هذا البروتين بدعم تنشيط وتمييز خلايا النظام المناعي مؤديا الى ضبط الاستجابة المناعية بما يعود بالنفع على الجسم وهذا التأثير ربما ينتج من الارتباط بين الاحماض الامينية موجبة الشحنة للاكتوفيرين ومجاميع الفوسفات سالبة الشحنة الموجودة على أسطح الخلايا المختلفة للنظام المناعي.
ونظرا للتأثيرات الجانبية غير المرغوبة للأدوية المضادة للالتهابات والمضادة للأكسدة، فقد ازداد الاهتمام باستخدام المكونات الغذائية الفعالة التي تعمل على تعديل او تخفيف او منع حدوث عملية الالتهاب. نظرا لقدرة تلك المواد على العمل كمضاد للاكسدة والميكروبات والالتهابات بدرجة كبيرة فمن المفترض ان اللاكتوفيرين والببتيدات المشتقة منه تلعب دورا هاما في منع تطور الالتهابات والحد منها. وقد دعمت هذه الفرضية باكتشاف قدرة اللاكتوفيرين على العمل كماده معادلة لفعل السموم الميكروبية. كما ان وجود اللاكتوفيرين بتركيز عالي في اماكن الالتهابات أكد هذه الفرضية.
الباحث يؤكد إمكانية اللجوء إلى الغذاء بديلا للدواء لتحسين كفاءة النظام المناعي
لذلك يمكن اللجوء الى الغذاء، لا الدواء، في تحسين كفاءة النظام المناعي وتحسين الحالة الصحية للأشخاص الذين يعانون من امراض مزمنة وهذا يفسر استخدام اللاكتوفيرين كعنصر فعال في البروتوكول العلاجي للمصابين بفيروس كورونا المستجد. وفي النهاية يمكن القول ان تغذية الأطفال الرضع على لبن الام يقي هؤلاء الأطفال من الإصابة بالعدوى الميكروبية للجهاز التنفسي والجهاز الهضمي كما انه يقيهم من الإصابة بأنيميا نقص الحديد ويحسن حالتهم الصحية على المدى البعيد.
د عصمت علي ريان
باحث قسم بحوث الألبان – معهد بحوث تكنولوجيا الاغذية
اقرأ أيضا
هل أصناف الأرز الجديدة متحملة للملوحة؟.. رئيس بحوث يُجيب
عائد الزراعة أقل من المصروفات هل يحق إخراج الزكاة؟.. مستشار المفتي يجيب
لايفوتك
وزير الاتصالات يتحدث للبرنامج الاقتصادى عن مردود تطبيق منظومة التحول الرقمى على القطاع الزراعى