حرث الأرض يمثل ركنًا أساسيًا ضمن منظومة المُعاملات الزراعية، التي ينبغي القيام بها قبل بدء الزراعة، وعُرفًا تقليديًا هو الأكثر شيوعًا بين جموع المُزارعين، بهدف تأمين سُبل الوصول لأفضل مُعدلات الإنتاجية والربحية المُمكنة، وواحدة من التقنيات الرئيسية لبرامج مُقاومة الآفات.
لكن يبدو أن تلك القواعد التي توارثناها وتناقلناها جيل بعد آخر، بوصفها من المُسلمات التي لا تحتمل الشك أو التأويل، باتت بحاجة إلى الكثير من المراجعات العلمية، ولاسيما في ظل التغيرات البيئية المُتسارعة، الناجمة عن ظاهرة الاحتباس الحراري، وزيادة الانبعاثات الكربونية عن حدودها المسموحة، وهي المسألة التي تستدعي تسليط المزيد من الضوء، والاستماع لرأي الخبراء والمُتخصصين بشأنها، لاستجلاء الصورة بشكل أكثر وضوحًا، ووضع الأمور في نطاقها الصحيح، بما يصب في صالح الدولة والمُزارعين.
وخلال حلوله ضيفًا على الدكتور خالد عياد، مُقدم برنامج العيادة النباتية، المُذاع عبر شاشة قناة مصر الزراعية، تناول الدكتور نبيل فرج – أستاذ مُتفرغ بمعهد بحوث أمراض النبات، التابع لمركز البحوث الزراعية – ملف أضرار حرث الأرض بالشرح والتحليل، مُسلطًا الضوء على تداعياتها السلبية على البيئة والنبات.
حرث الأرض.. التغيرات المناخية وإدارة النشاط الزراعي
في البداية تحدث الدكتور نبيل فرج عن الآثار السلبية الناجمة عن التغيرات المناخية والاحتباس الحراري، مؤكدًا أنها تحتاج لإجراء الكثير من المراجعات العلمية فيما يخص مُعاملات واستراتيجيات إدارة النشاط الزراعي.
وأوضح أن زيادة الانبعاثات الكربونية واستمرارها على هذا المنوال المُتسارع له تبعات كارثية، تنعكس بالسلب على فُرص نجاح عملية “التمثيل الغذائي”، بالشكل المُخطط كونيًا مُنذ بدء الخليقة، بعدما تعرض للتخريب بسبب المُمارسات غير المسؤولة للدول الصناعية الكُبرى، والاعتماد بالكلية على الفحم والوقود الأحفوري، بالتوازي مع تقلص المساحات الخضراء.
الانبعاثات الكربونية وتحديات الزراعة
أكد أن العالم بات أمام خيارين لا ثالث لها، الأول تخفيض نسب الانبعاثات الكربونية، والثاني زيادة المساحات الخضراء، والأخيرة تحتاج لإجراء تعديلات جذرية على بعض أهم مُمارساتها وبخاصة حرث الأرض.
حرث الأرض.. كارثة بيئية
بدأ أستاذ معهد بحوث أمراض النبات المُتفرغ بالحديث عن حرث الأرض مؤكدًا أن تلك العملية التقليدية الشائعة تُمثل كارثة بيئية بكل المقاييس العلمية المُتعارف عليها، مُشددًا على أن قتل “المادة الخضراء” يُمثل جريمة في حق الزراعة، في ظل التغيرات المناخية الحالية، التي تحتاج للحفاظ على كل “سنتيمتر” من “المُستخضرات”، التي تُمثل “فلتر طبيعي” يعمل على امتصاص غاز “ثاني أكسيد الكربون”.
موضوعات قد تهمك
التسميد النيتروجيني.. أضراره على المحاصيل الزراعية ومزايا تقنيات التسميد بـ”الرش”
أشجار الزيتون.. مخاطر زراعة الخضراوات بينها وأضراره على حجم الإنتاجية المُتوقعة
الأسانيد العلمية
قدم “فرج” الفرضيات العلمية الدالة على صحة وجهة النظر تلك، بالتأكيد على أن عملية الحرث المُتتالية وغير المدروسة بالنسبة لبعض الزراعات، تؤدي لتدمير المُسطح الأخضر للتربة، وتقليل قدرته على تنفيذ عملية البناء الضوئي والتمثيل الغذائي – اللازمة لإنتاج “الكلوروفيل” – وهي العملية الأساسية والمحورية، التي يقوم فيها النبات بامتصاص غاز “ثاني أكسيد الكربون”، مُقابل إطلاق الأكسجين الذي يُمثل أساس حياة البشر.
وضرب المثل بالحشائش الخضراء التي تنمو في مزارع الفاكهة، مؤكدًا أن هذه الحشائش تقوم بالتمثيل الغذائي بشكل أسرع من الأشجار المُحيطة بها، ما يُحتم ضرورة الحفاظ على الأنواع المُفيدة منها، للحفاظ على التوازن البيئي المطلوب، وتنقية الهواء من غاز ثاني أكسيد الكربون، والحيولة دون تخطيه للحدود الطبيعية “المأمونة” التي خلقها الله.
خدعوك فقالوا
دحض أستاذ معهد بحوث أمراض النبات المُتفرغ وجهة النظر القائلة بأن الحشائش تُمثل مُنافسًا قويًا للأشجار على مصادر الغذاء، مؤكدًا أن الأشجار أقوى وتستطيع استخلاص كافة احتياجاتها الغذائية من التربة، وهي المُعادلة التي لا تُمثل فيها الحشائش أي ضرر، كما وأنها لا تُشكل أي عائق يحول دون نجاح الأشجار في استخلاص غذائها بشكل طبيعي.
وسلط “فرج” الضوء على نقطة أخرى بالغة الأهمية وهي المُتعلقة بكون الحشائش تُمثل عائلًا طبيعيًا للعديد من المُسببات المرضية، التي قد تؤثر سلبًا على الأشجار المُحيطة بها، مُشيرًا إلى أن أصحاب هذا المُعتقد جانبهم الصواب إلى حد بعيد.
وأوضح أن إتاحة الفُرصة لنمو الحشائش بشكل طبيعي، يجعلها بمثابة “مصائد طبيعية” للآفات والحشرات، التي قد تُهدد المحصول الأساسي لهذه الأشجار، ما يُسهل عملية مُقاومتها على الأرض، بدلًا من بذل جهد أكبر وتحمل تكلفة مُضاعفة حال تنفيذ برامج المُكافحة على الثمار ذاتها.
محاصيل الخضر والحشائش النافعة
أكد الدكتور نبيل فرج أن هذه الفرضية الخاصة بأضرار عملية حرث التُربة لا تسري على محاصيل الخضراوات أو النباتات الورقية، والتي يتحتم إجرائها لنجاح عملية الزراعة والحصول على إنتاج وحصاد قوي، بما يحقق أفضل مُعدلات الربحية المُتوقعة للمُزارعين.
وأوضح أن الحشائش “النافعة” التي تنمو داخل حقول الفواكة، من الواجب الحفاظ عليها استنادًا لدورها البيئي الهام، في المُقابل يتوجب على المُزارعين مُكافحة الحشائش الضارة، التي تنمو على أطراف الحقول والمصارف وأشهرها البوص.
إقرأ أيضًا
محصول القمح.. جدول حساب الاحتياجات الآزوتية وأبرز توصيات وأخطاء “الري والتسميد”
محصول القمح.. أبرز التوصيات الفنية للأراضي التي سبق زراعتها بالأرز
لا يفوتك