النباتات الطبية والعطرية تمثل أحد قاطرات التنمية التي تسعى الدولة لتحقيق أقصى استفادة ممكنة منها، عن طريق دعم مزارعيها، وتوفير كافة الإمكانات الفنية والعلمية والإرشادية التي تصب في صالح مضاعفة حجم الإنتاجية، وزيادة حجم صادراتنا الزراعية منها، والتي تترجم لعوائد جيدة من العملة الصعبة، وهو الملف الذي تناوله الدكتور حسام محيسن، رئيس قسم بحوث النباتات الطبية والعطرية بالشرح والتحليل، خلال حلوله ضيفًا على الإعلامي طه اليوسفي، مقدم برنامج “المرشد الزراعي”، المذاع عبر شاشة قناة مصر المستقبل.
أهمية ومكانة النباتات الطبية والعطرية في مصر
كنوز خفية وفرص واعدة
استهل الدكتور حسام محيسن، رئيس قسم بحوث النباتات الطبية والعطرية، حديثه مؤكدًا أن النباتات الطبية والعطرية تمثل كنزًا جديدًا من كنوز الزراعة في مصر، موضحًا أن هذا الكنز الخفي يتميز بوفرة إنتاجه وان مدخلات إنتاجه قد تكون غالية، إلا أنه بالالتزام بالمعايير الزراعية المثلى من خدمة جيدة واختيار التربة المناسبة وتحديد أنواع النباتات الطبية والعطرية الملائمة لجغرافية مكان معين، يمكن تحقيق أعلى إنتاجية، مدللًا على ذلك بتصدر الكمون المصري المشهد العالمي وارتفاع الطلب التسويقي عليه من الاتحاد الأوروبي والكثير من الدول.
وأضاف إن أهل الخبرة والمتخصصين يشيرون إلى أن المساحة المزروعة بـالنباتات الطبية العطرية في مصر قليلة نسبيًا، حيث تقل عن 5% من إجمالي الأراضي المنزرعة، وهو ما لا يتناسب مع قيمتها الاقتصادية العالية، ومع ذلك تتميز بإنتاجية عالية في مجال التصدير، لافتًا إلى أن مصر تنتج أنواعًا تجود فيها بشكل خاص، مثل الياسمين الذي يزرع في الغربية ويُستخلص منه أجود أنواع العطور الفرنسية.
ولفت إلى أن العجينة المصرية هي التي تُستخدم في صناعة هذه العطور، مما يجعل مصر أولى بتصنيع وتقديم خدمات ما بعد التصنيع لهذه النباتات، مشيرًا إلى دخولها في العديد من الصناعات مثل شركات الأدوية والخدمات التجميلية، متسائلًا عن كيفية استثمار هذا الكنز، ومؤكدًا أن لقاء اليوم يهدف إلى معرفة كيفية الوصول لأعلى إنتاجية وأنواع النباتات الطبية والعطرية التي تجود زراعتها في مصر.
أهمية زيادة المساحات المنزرعة بـ”النباتات الطبية”
أوضح الدكتور حسام محيسن، في معرض إجابته على سؤال حول أهمية التركيز وزيادة المساحة المنزرعة من النباتات الطبية والعطرية على القيمة الاقتصادية والتمييز بين النباتات الطبية والعطرية، أن هذا السؤال كان دائمًا هدفًا للوزارة في تحديد استراتيجياتها لزيادة المساحة المنزرعة، مشيرًا إلى أن النباتات الطبية والعطرية كانت دائمًا تتمتع بميزة نسبية، مبينًا أن هذه الميزة النسبية تعني ببساطة للمزارع أن هذا النوع من الزراعة يمكن أن يدخل للبيت أعلى عائد مادي مقارنة بحجمه.
وأضاف قائلًا إن مصر بدأت في التسعينات بزراعة ما بين 60 إلى 70 ألف فدان من ملايين الأفدنة الصالحة للزراعة، ووصلت حاليًا إلى 125 ألف فدان، أي ما يقارب 1% من المساحة القابلة للزراعة في مصر، ورغم ذلك تحتل المرتبة الرابعة كأهم محصول تصديري، وتدخل عملة صعبة للدولة، مشددًا على أهميتها الكبيرة، وأشار إلى أن هذا الحجم الصغير يحقق دخلًا يقدر بـ 200 إلى 300 مليون دولار، لافتًا إلى وجود استراتيجية لدى الوزارة ومركز البحوث الزراعية ومعهد البساتين تهدف إلى الوصول بهذا الكم إلى 250 ألف فدان بحلول عام 2030 لتعظيم الفائدة.
صادراتنا من النباتات الطبية والعطرية
كشف الدكتور حسام محيسن عن مكانة مصر المتميزة في تصدير النباتات الطبية العطرية، مؤكدًا أنه بالرغم من أن المساحة المزروعة حاليًا تمثل 1% فقط، إلا أن مصر تحتل المرتبة الثالثة عالميًا في تصدير هذه النباتات البيولوجية، مشددًا على أهمية الجودة العالية للنباتات المصرية التي لا تتوفر بنفس الدرجة لدى الغرب.
وأعرب عن تفاؤله بتحقيق الهدف المستقبلي بالوصول إلى 250 ألف فدان، مما قد يجعل مصر تحتل المرتبة الأولى عالميًا في إنتاج النباتات الطبية والعطرية، مؤكدًا أن الميزة النسبية تكمن في تحقيق هذا الدخل الكبير من مساحة صغيرة، وحذر من الانسياق وراء الأقاويل السطحية حول المكاسب السريعة مثل تحقيق 300 أو 250 ألف جنيه للفدان من الكمون، موضحًا أن هذا ممكن بالفعل ولكنه يتطلب متابعة دقيقة والرجوع إلى المرجعية العلمية، مشيرًا إلى وجود مركز متخصص وقسم بحث كامل للنباتات الطبية والعطرية.
ودعا الراغبين في دخول هذا المجال إلى التفرقة بين النباتات الطبية والعطرية وتحديد نقطة البداية بناءً على معايير محددة مثل طبيعة الأرض وهدف الزراعة.
نبذة تاريخية عن النباتات الطبية والعطرية
تطرق الدكتور حسام محيسن إلى الأصل التاريخي للنباتات وأهميتها، مشيرًا إلى أن النبات كان أول كائن حي قبل الإنسان، فهو الكائن الوحيد القادر على تكوين غذائه بنفسه، وبالتالي كان هو الملاذ للإنسان والحيوان والكائنات الدقيقة للتغذي عليه، مؤكدًا أن الله سبحانه وتعالى رزق الإنسان من النبات الأكل والملبس والدواء لمواجهة أي خلل صحي.
وتابع قائلًا إن المملكة النباتية بأكملها تعتبر كنزًا طبيًا، وأن النباتات المستخدمة حاليًا والتي يمكن زيادة استخدامها سنة بعد سنة تسمى نباتات مستعملة طبيًا، في حين أن النباتات الأخرى قد تكون طبية ولكن لم تُكتشف فوائدها بعد، مدللًا على ذلك بأن عدد النباتات المستخدمة طبيًا ازداد من 30 إلى 50 نباتًا حاليًا، وأن المجال مفتوح لاكتشاف المزيد، وأوضح أن النبات الذي يمكن استخدام كله أو جزء منه أو مادته الفعالة في العلاج يُعد نباتًا طبيًا.
ما هو الفارق بين النباتات “الطبية” و”العطرية”
أوضح الدكتور حسام محيسن الفرق بين النباتات الطبية والعطرية، مشيرًا إلى أنهما قسمان ضُما في عنوان واحد، فالنباتات العطرية تحتوي على زيوت طيارة داخل خلاياها وغددها، وهذا الزيت الطيار هو سبب توصيفها بالعطرية، ويحتوي على مركبات قد تتعدى العشرين والثلاثين مركبًا وكلها علاجية، أما النباتات الطبية فلا تحتوي على زيوت طيارة، مثل الكركديه والعرقسوس، ورغم ذلك لها تأثير علاجي.
وشدد على أن كلا النوعين يشترك في فكرة العلاج، ولكن النبات العطري يتميز برائحة تعبر عن شخصيته ويقاوم بها الأمراض والحشرات، ويُستخدم كنبات في التصنيع الدوائي ومستحضرات التجميل.
ولفت إلى أن مجال النباتات الطبية والعطرية يعتبر صعبًا ويحتاج إلى دقة في مدخلات الإنتاج حسب إجماع الخبراء والمزارعين، موصيًا بضرورة الحصول على نصيحة المتخصصين قبل البدء في الزراعة لمعرفة أنواع النباتات المناسبة للمكان وكيفية زراعتها، نظرًا لأن المخاطرة فيها تعادل قدر المكسب المرتفع.
أهمية التسويق في مجال النباتات الطبية والعطرية
شدد الدكتور حسام محيسن على أهمية التسويق في مجال النباتات الطبية والعطرية، مؤكدًا أن أول إشكالية تواجه المزارعين هي التسويق، وأوضح أنه نظرًا لأن معظم إنتاج هذه النباتات يُصدر، فلا يمكن البدء في الإنتاج أو استخراج المادة الخام دون وجود خطة تسويقية واضحة ومضمونة، مشيرًا إلى أن عدم وجود جهة مستهلكة للمنتج مثل شركات أو تجار يمثل خطرًا كبيرًا على أي شخص يتخذ قرار الزراعة، ونص على ضرورة توفير سياسة تسويقية محكمة قبل الخوض في هذا المجال.
وأوصى بالاعتماد على الزراعة التعاقدية أو الاتفاق المبرم مع شركات التصدير المعروفة لضمان تسويق المنتج والاطمئنان أثناء الزراعة.
وأشار إلى أن هذه الشركات قد توفر فرق دعم فني أو تستعين بمركز البحوث الزراعية لتقديم الدعم، مما يضمن وصول المحصول إلى بر الأمان وتسليمه للشركة، واقترح إمكانية إنشاء نداء لتضمين النباتات الطبية والعطرية ضمن الزراعات التعاقدية، لما في ذلك من دعم لوجستي من داخل مركز البحوث ومحليات موجودة في مصر تعمل كحلقة وصل لتسويق المنتج بأمان تام تحت إشراف الدولة.
وطمأن المزارعين والمستثمرين بأنه حتى الآن لا توجد منافسة بين الشركات في مجال النباتات الطبية العطرية، وأن المجال مفتوح جدًا نظرًا لأن السوق العالمي بأكمله يتلهف على المركبات الموجودة في النباتات المصرية التي تتميز بجودتها وتركيز المواد الفعالة مقارنة بما ينتج في مناطق أخرى ذات مواسم نمو أقصر.
دور البحث العلمي
سلط الدكتور حسام محيسن الضوء على أهمية التعلم المستمر في مجال النباتات الطبية والعطرية، مشيرًا إلى الدور الذي يقدمه القسم للمهتمين بالدخول في هذا المجال أو تطوير مهاراتهم، موضحًا أن أي قسم في مركز بحثي، وخاصة مركز البحوث الزراعية، يعمل في ثلاثة اتجاهات رئيسية هي “البحث والرسائل العلمية لتطوير الكوادر والمعلومات”، و”الإنتاج من خلال وحدات موجودة” مثل وحدة الزراعة وإنتاج الزيوت في قسم بحوث النباتات الطبية والعطرية بالقناطر وجزيرة الشعير، والتي تنتج زيوتًا وتقوم بتقطيرها للغير كمصدر دخل للمركز، والاتجاه الثالث وهو “الإرشاد” الذي يعتبر رمانة الميزان في نجاح هذا القطاع، وأشار إلى قيام القسم بتنظيم ندوات ومراكز إرشادية على مستوى مصر وأيام حقلية ودورات تدريبية للطلاب والمستثمرين والمزارعين داخل القسم أو في المحطات البحثية المتخصصة.
وأكد على أن هذه الدورات معلنة ومتاحة للجميع، وطمأن الراغبين في الحصول على دورات خاصة أو استشارات فردية بإمكانية التنسيق مع مدير القسم بأسعار رمزية، مشددًا على أن مركز البحوث الزراعية هو في الأساس مركز خدمي.
اضعط الرابط وشاهد الحلقة كاملة..
موضوعات ذات صلة..
النباتات الطبية والعطرية.. فوائد الكاموميل ومخاطر استخدام الوصفات الشعبية
