السلطان قلاوون ذلك المملوك الذي اشتراه أستاذه الأمين علاء الدين بـ1000 دينار، ليصير هذا الرقم الضخم لقبًا له فيما بعد، ويلازمه طوال حياته وبعد مُبايعته على مُلك مصر، وهي المملكة التي توارثها نسله جيلًا بعد جيل، لتمتد على مدار 100 عام تالية، شهدت العديد من الفتوحات والانتصارات العسكرية المُظفرة على التتار والصليبيين.
هو المنصور سيف الدين قلاوون الألفي الصالحي، أحد المماليك الذين أبلوا بلائًا حسنًا في المعارك والانتصارات التي شهدتها دولة المماليك التي سيطرت على قطاع كبير من دول العالم، ليرتقي بسرعة في سُلم العسكرية بسبب قوته وشجاعته، حتى يصبح أحد الأمراء البارزين في جيوش الملك الصالح أيوب، والملك الظاهر ركن الدين بيبرس من بعده.
مجمع السلطان قلاوون.. أبرز شواهد عظمة العمارة الإسلامية
ويقف شارع المُعز شاهدًا على عظمة السلطان قلاوون، من خلال المجمع الذي أسسه عام 1285م، عقب اعتلائه لسده الحكم، ويضم مسجدًا ومدرسة ومستشفى بالإضافة للضريح الذي يحوي رُفاته وابنه الناصر قلاوون وحفيده عماد الدين.
وتتجلى عظمة العمارة الإسلامية في مجمع السلطان قلاوون الذي يُزين شارع المُعز لدين الله الفاطمي، بنقوشه المميزة ولوحاته المُزدانه بخط النسخ والكوفي والثُلث، التي شاع استخدامها في هذا الوقت، فيما تسطع براعة الفنان المصري عبر قطع الأرابيسك الخشبية المنتشرة بأرجاء المكان.
مجمع السلطان قلاوون.. مزيج فني من العمارة الإسلامية والفرعونية والرومانية
وتتداخل فنون العمارة المُختلفة وتتوحد كتحفة فنية في مجمع السلطان قلاوون، الذي يحوي عددًا من الأعمدة الفرعونية والرومانية الضخمة، التي يتخطى وزن الواحد منها الـ2 طن، والتي تمت الاستعانة بها في تزيين وتدعيم هذا المكان التاريخي، الذي حافظ على أبهته وتألقه طوال 8 قرون تاليه على إنشائه، ليكون شاهدًا على مملكة حكمت مصر ودول المشرق العربي طوال قرن من الزمان.
ويُزين المحراب الموجود داخل مجمع السلطان قلاوون من مجموعة رائعة من الصدف والرخام والعاج وأحجار الألباستر، ليشكلًا سويًا مزيجًا مُدهشًا يبعث على الإعجاب بهذا الصرح الفني الكبير، والذي يصدح بفخامة العمارة الإسلامية في ذلك الوقت.
موضوعات قد تهمك:
ميكروب البروسيلا.. محاذير التعامل مع الحيوان المصاب وأهم التوصيات
وخلال حلوله ضيفًا على كاميرا برنامج “حكاية مكان” تحدث حازم جابر، مدير آثار مجمع السلطان قلاوون، عن شارع المُعز لدين الله الفاطمي، والذي يُعد أكبر متحف إسلامي مفتوح في العالم، نظرَا لما يحويه من مجموعة ضخمة ومميزة من القصور والأماكن التي تقف شاهدًا على التاريخ المعماري المميز لهذه الفترة على وجه التحديد، موضحًا أنه معروف تاريخيًا باسم الشارع الأفخر أو الأعظم، فيما كان يُطلق عليه أيضًا “قصبة الدنيا” أو قصبة القاهرة، بالإضافة لمجموعة ضخمة من الأسماء التي توالت على هذه المنطقة ومنها النحاسين، بين القصرين، الصاغة.
وأوضح أن شارع المُعز يضم بين جنباته مجموعة أثرية ضخمة يعود تاريخها إلى ما يقرب من 1050 عامًا، وأبرزها فنون العمارة الفاطمية، الأيوبية، المملوكية، العثمانية، إلى جانب ما خلفته أسرة محمد علي.
لا يفوتك.. دور الحجر الزراعي فى تنمية الصادرات المصرية
مجمع السلطان قلاوون.. أبرز آثار المملكة البحرية
ولفت جابر إلى أن شارع المُعز يخلد آثار خمس ممالك حكمت مصر، ويظل مجمع السلطان قلاوون واحد من أبرز ما يميز هذه المنطقة الأثرية العريقة، والذي ينتمي للأسرة المملوكية، والذي أسسه السلطان سيف الدين قلاوون الألفي الصالحي لتخليد ذكراه ونسله من بعده.
وتنقسم العصور المملوكية إلى دولتين، الدولة الجركسية التي كانت تسكن الأبراج وداخل أسوار القلاع، والمماليك البحرية التي كانت تعيش على البحر، والتي ينتمي إليها السلطان سيف الدين قلاوون الألفي الصالحي ويُعد أول قادتها الذين تربعوا على عرش مصر.
إقرأ أيضًا:
التشخيص المبكر لأمراض الدواجن.. صمام أمان وحماية لاستثمارك
وتتجلى حكمة الله في خلقه عبر قصة السلطان قلاوون الذي جاء إلى مصر عبدًا ليدفن ويوارى الثرى بأرضها ملكًا، بعدما تولى حكم مصر بعدما خلع سلامش ابن الملك الظاهر بيبرس ذي السبعة أعوام، لينصب نفسه حاكمًا ويؤسس لمملكة ضخمة عاشت وحكمت البلاد لمده 102 عام.
ويعد الناصر محمد والأشرف خليل وحفيده السلطان حسن أشهر من مر على حكم مصر من سلالة السلطان قلاوون، التي تربعت على العرش لما يزيد عن قرن من الزمان.
مغزى كلمة “المورستان” ومعناها
وتحدث حازم جابر عن تاريخ إنشاء مجمع السلطان قلاوون الذي تم بناؤه عام 684هـ/1285م، ليحافظ على عبقه التاريخي وطرازه المعماري على مدار 750 عامًا، لافتًا إلى أنه يضم أقدم الأضرحه التاريخية على الإطلاق، بالإضافة لمسجد ومدرسة وبيمارستان “مستشفى”، التي كانت من أهم الأماكن التي تقدم الخدمات الطبية والعلاجية خلال العصور الوسطى، وكان يضم مكانًا خاصًا لعلاج المرضى النفسيين أطلق عليه “المورستان”.
مجمع السلطان قلاوون يتحدى قوانين الزمان والمكان
ويرتفع مبنى مجمع السلطان قلاوون إلى 20 مترًا، واستخدم في بنائه عددًا من الأحجار الضخمة التي تم جلبها من جبل المقطم، ليطلق عليها الأحجار “العجالي” نسبة إلى طريقة حملها ونقلها، والتي يصل وزن الواحد منها إلى قرابة الـ2 طن، ويرجح استخدام العجول فيها، وهو سر هذه التسمية.
وأكد مدير آثار مجمع السلطان قلاوون، أن سر إعجاز هذا الصرح الضخم، يعود إلى الوقت القياسي الذي استغرقته أعمال البناء والتشييد للمدرسة، استنادًا لكافة المقاييس الزمنية المتعارف عليها في ذلك الوقت، والتي لم تتجاوز الأربعة أشهر فقط، طبقًا للمكتوب على أعلى محراب قبلتها، برغم ضخامة الأحجار المُستخدمه فيه، فيما استغرق بناء المجمع بكاملة قرابة الأربعة عشر شهرًا.