كانت الحشائش هى أكثر ما نلاحظ فى حياتنا اليومية من آفات. فنراها بداخل المزروعات وحولها، وعلى ضفاف الأنهار وحواف الترع والقنوات، والجوانب غير المعبدة للطرق منتشرة هنا وهناك، وجوانب السكك الحديدية، وأسفل جدران الأبنية، وحول المصانع، وفى شقوق الأرض، ومناطق الآثار والمناطق المهجورة التى لم تصلها يد العمران.
رغم الكفاح المستميت للإنسان فى محاولة استئصال الحشائش والتى تصل فى تنوعها إلى أكثر من ألفى نوع من جملة الأنواع النباتية المعروفة فى العالم والتى تبلغ ربع مليون، فإنه لم ينجح فى إبادة تلك الأنواع الضارة إلا فى مناطق محدودة وتحت ظروف خاصة. فبعد انتشار وتوطن الحشائش فى مناطق جديدة فإنه عادة ما يصعب التحكم فى القضاء عليه إلا فى المساحات المحدودة التى يسهل السيطرة عليها، وإن كان هذا أيضاً يحتاج فى معظم الحالات إلى عدة سنوات من نظام دقيق وجهد عظيم.
صعوبة الاستئصال:
يمثل تعدد مصادر الإصابة بالحشائش وتنوعها سبباً جوهرياً فى صعوبة استئصالها، فكثير من أنواع الحشائش يمكنها أن تتكاثر جنسياً “بالبذور” ولاجنسياً “خضرياً بالدرنات أو الريزومات أو أجزاء من النبات”. كذلك فإنه يمكن لبذور عديد من أنواع الحشائش الانتقال بالهواء من أماكن بعيدة أو بسباحتها مع ماء الرى أو بتعلقها بأرجل الطيور أو أقدام المزارعين، أو مع تقاوى المحصول المنزرع، خاصة وأن بذور العديد من الحشائش تتشابه إلى حد بعيد مع تقاوى المحصول مما يصعب تمييزها واستبعادها.
لم يثبت حتى الآن إمكانية استئصال نوع بعينه من الحشائش فى مساحة شاسعة من الأرض. وحتى فى المساحات الصغيرة قد يتطلب الأمر عشرات السنين لاستئصال بعض الأنواع منها. وقد حدث هذا الأمر فى ألمانيا، حيث تم التخلص من حوالى نصف أنواع الحشائش السائدة بإحدى المزارع التجريبية بهوهِنهايم فى الفترة من عام 1860 حتى عام 1957م، وكان هذا نتيجة الرعاية المكثفة واستنفاذ مخزون التربة من بذور تلك الحشائش، وقد تزامن ذلك مع إجراءات مشددة للحيلولة دون وصول بذور جديدة إلى المنطقة .
وحتى باستخدام مبيدات الحشائش، فإن استئصال حشيشة ما أمر يصعب طبيعياً الوصول إليه. فكما ذُكر فى مواجهة الحشيشة للظروف غير المواتية لنموها، يمثل معاملة المبيد على الحشيشة نوعاً من الإجهاد البيئى environmental stress، ففى الوقت الذى يكون فيه بعض أفراد مجتمع الحشيشة حساساً للغاية لفاعلية المبيد والكثير منه يتأثر بذلك المبيد، فإن بعض أفراد المجتمع يمتلك تحملاً طبيعياً وضعه الخالق فيه للمساعدة على الصمود والبقاء. وتمثل المجموعة الأخيرة مفتاح الإصرار والمثابرة، فحالما تحس بذلك الكيميائى الدخيل الذى ينفذ إلى خلاياها رغماً عنها، فإنها وإن كانت لا تستطيع طرده، فإنها تحاول تكسيره وتحطيمه ما استطاعت إلى ذلك سبيلاً، وتسعى فى ذات الوقت إلى التعرف الواعى على أثره الضار على خلاياها وأنسجتها، وتضع خططاً ذكية – أغلبها بيوكيميائى – لاحتواء ذلك الضرر. فإن كان أذى المبيد يقع مثلاً على أنزيم بعينه فإنها تجاهد لإنتاج كميات وفيرة من ذلك الإنزيم لتتلقى ضربات المبيد على بعض من كميات الإنزيم الوفيرة وتحفظ الكميات الأخرى لتؤدى دورها الطبيعى فى الخلية. وإن كان الفعل على خطوة معينة فى سلاسل التفاعلات الحيوية، فإنها تناضل من أجل أن تلغى كُلّيةً تلك الخطوة من تفاعلاتها فتتجنب هدف المبيد المنشود. وجيلاً بعد جيل من تعرض مجتمع الحشيشة لذات المبيد، تصل المجموعة الأخيرة المذكورة بكامل المجتمع إلى أفراد عنيدة مكافحة لأثر المبيد الضار. وبحدوث هذا الأمر الذاتى التلقائى العجيب فى مجتمع الحشيشة المعرض للمبيد يقف ذلك المبيد عاجزاً عن التأثير كما كان يفعل فى الماضى بعد أن وضع مجتمع الحشيشة أفراده فى حصن منيع وأفقد الخصم المهاجم حدة سلاحه المضاء السريع.
من هنا نجد أن عملية استئصال الحشائش عملية صعبة إن لم تكن مستحيلة.
من المثير للدهشة، تميز كثير من الحشائش بمملكتها مترامية الأطراف فى الأرض والماء، بالعدوانية والشراسة على بنى ذويها من الأنواع، الأمر الذى يتناظر وإلى حد بعيد مع قانون الغاب ومناطق النفوذ. وتعتمد الحشائش فى هذا الأمر على نوعين رئيسيين من الأسلحة هما القوة والغلبة بالسرعة والتفوق، والسلاح البيوكيميائى العجيب. ويعرف الأول بالتنافس competitionوالثانى بالتضاد البيوكيميائى allelopathy، ويمثلان معاً ما يعرف بالتداخل interference.
والتنافس، وإن كان مشروعاً بين بنى البشر فى الخير والبناء والعمل، فإنه فى عالم الحشائش لا يعرف سوى التفوق من أجل البقاء، فترى الحشيشة وقد امتدت بهامتها بسرعة عجيبة لتتجاوز جيرانها من الأنواع الأخرى فتستأثر بضوء الشمس الحتمى فى الحصول على الطاقة التى تصنع منها طعامها الأساسى فى عملية البناء الضوئى، محولة لطاقة الشمس بالاستعانة مما حولها من غاز ثانى أكسيد الكربون إلى السكر الذى يمثل المادة الخام لصناعات تحويلية أخرى تتم فى ذلك الجزء المجهرى الذى يعرف بالخلية والذى يحوى من أسرار ما زال العلم يلهث فى سَبْر أغوارها حتى أنشأ علماً جديداً يقوم على أدق مكونات الخلية وعناصرها أسماه بعلم الحياة الجزيئى molecular biology. فتحصل الحشيشة بهذا السبق على عناصر القوة وكمال البنيان فتغطى بأوراقها التى تتخذ عادة هيئة المظلة ما حولها من نبت الأرض، مانعة لضوء الشمس عما عداها من أنواع، وحاجبة إياه كمصدر الحياة الرئيسى، فتموت الأخيرة بسبب ضعفها وقلة حيلتها. كما يتنافس النوع النباتى من الحشائش مع محيطيه من النباتات على ماء التربة ومحلولها الذى يحمل بدوره من مغذيات الأرض ما يشبع جوع الحشيشة ويسد حاجتها ويزيد من نموها واكتناز خلاياها بمختلف صنوف الغذاء.
وفى خضم تلك المعركة الطاحنة، يلجأ كثير من أنواع الحشائش إلى سلاح حرمه الإنسان فى حروبه مع غيره من البشر ولم تحرمه الطبيعة، وهو السلاح الكيميائى. فتفرز تلك الأنواع مواد كيميائية تطلقها فيما حولها، مانعة لنمو منافسيها من الأنواع، فتستأثر بالموطن وترتع فى خيره وحدها، وما عداها هالك لا محالة.
وقد حظى السلاح الكيميائى لدى الحشائش بدراسات لا تحصى كظاهرة فريدة، حتى كُتب عنه مراجع متخصصة. وقد تبين من بعض تلك الدراسات تركيب تلك المواد الكيميائية المنطلقة، وظهر أن العديد منها ليس غازاً ساماً أو مخلوطاً فتاكاً، ولكنه ليس أكثر من مركبات كيميائية مألوفة لدى الإنسان كالفينولات والتانينات وغيرها (150). وهذه وإن كانت لا تثير مخاوف الإنسان أو فزعه فإنها تحرم أنواعاً من النبات من مجرد الإنبات والظهور فى عالم الأرض.
ولا تقتصر عدوانية النبات المستخدم للسلاح الكيميائى على إفراز تلك المواد فى تربة بيئته، بل يحملها ويخزنها عادة فى خلاياه، حتى إذا ما انقضى عمره المكتوب على الأرض، ترك بعضاً من تلك الكيميائيات فى رفات جسده كميراث شرعى لخالفيه من أبناء. فإذا ما تركت هذه البقايا فى الأرض، فإنه بتحللها المحتوم سوف تبعد عنهم الضر من عواقب اقتراب الغريب من الأنواع. ويمثل هذا التداخل الكيميائى حرباً مستترة بين الأنواع النباتية لا يراها الإنسان ولا يحس باحتدام وطيسها. ومن بين الإخوة الأعداء فى عالم الحشائش حشيشتى الغاب والتايفا، وحشيشة النجيل وبعض الحشائش الحولية. ويمتد هذا العداء ليصل بين الأنواع النباتية المنزرعة مثل الأرز والخس فيؤثر الأول على الثانى، بل يصل أحياناً إلى داخل النوع النباتى نفسه مثل القمح الذى تؤثر بقاياه – إذا ما وجدت فى التربة – على إنبات بادراته (150). وبطبيعة الأمر، لا يقتصر العدو المستهدف من الحشيشة المهاجمة بالسلاح الكيميائى على غيرها من أنواع الحشائش المحيطة، بل يمتد إلى أى نوع نباتى آخر قد تسول له نفسه الاقتراب من منطقة النفوذ التى تصنعها تلك الحشيشة فيما حول منبت عودها، وكأنها ابتاعتها لمجرد ظهورها فيها ولا يملك غيرها حق الانتفاع ولو بجزء يسير من الأرض. وما أشبه ذلك بعرف وضع اليد الذى صاغه بنى البشر فيما بينهم، بما يشمله من تملك وانتفاع بما لم يشتر ولم يَُبع.
وقد حاول الإنسان، بذكاء أغنياء الحروب، وكأنه يسعى إلى الكسب بين أنقاض المعارك وصراع الخصوم، إلى استغلال تلك الظاهرة فى حربه بدوره مع الحشائش الضارة. فكانت هناك المحاولة تلو الأخرى لضم هذا السلاح إلى عتاد ترسانته. وقد بدأ الأمر باستخلاص عصارة الأنواع ذات العدوان الكيميائى ثم معاملتها على الأنواع التى ثبت ضعفها وقهرها فى المعارك النباتية الثنائية، محاولاً استغلال سلاح الغير بعد قتله واستنزاف دمائه، فى معركة مع النوع الضعيف، محاولاً القضاء على كلا النوعين بضربة واحدة. وقد نجح إلى حد بعيد فى كثير من تلك المحاولات، وإن كانت هناك مشاكل مازالت تبحث عن حلول، كالحجم الهائل المطلوب من مستخلصات النباتات الأقوى كيميائياً للمعاملة على النباتات الضعيفة، وصعوبة تنفيذ ذلك على المستوى الحقلى العريض، وإن كانت تبدو سهلة التنفيذ يسيرة الإجراء.
ثم تقدمت خُطى التفكير والمواجهة الأذكى، وذلك بالتعرف أولاً على المكونات الفاعلة فى السلاح الكيميائى، ومحاكاتها بالتخليق المعملى، ثم إنتاجها كمبيد للحشائش من أصل طبيعى. ومازالت هذه التقنية فى دراساتها الدائبة تحتاج إلى المزيد من المعرفة تجاه جواهر المكونات الفاعلة وخصائصها الكيميائية. زِد على ذلك آثارها البيئية، التى يعتقد أنها تقل كثيراً عن تلك الناجمة عن مبيدات الحشائش الكيميائية المعروفة، وإن كان الطريق سوف يؤدى فى النهاية إلى مركبات كيميائية مخلقة قد تحمل خطراً أو نوعاً من الخطر عند الاستخدام الواسع والمكثف لها.
إمكانية مكافحة الحشائش
كل ذلك يجعل الحشائش عدوا قويا يجابه محاولات استئصالة من الارض وهي كغيرها من المخلوقات التي تابي ان تترك ارضها او أماكن تواجدها لغيرها .ومع استحالة استئصالها الا انه يمكن مكافحتها وتقليل اخطارها علي المزروعات الي الحد الذي لا يتسبب في حدوث خسائر اقتصادية علي المحاصيل التي تتواجد معها.حيث ان عملية المكافحة تصبح ممكنه وفاعلة اذا توفرت بها الشروط الخاصة بانجاحها. فيمكن ان تستخدم طريقة ما لمكافحة بعض الحشائش الا ان عدم اجراء هذه الطريقه بالشكل الصحيح يقلل من كفائها ونجاحها في مكافحة الحشائش المستهدفه. فعملية العزيق اليدوي مثلا وهي احد اهم طرق المكافحة الميكانيكية يمكن ان تؤدي الي نتائج ممتازة للتخلص من الحشا~ش النامية مع المحصول الا ان عدم ادائها بالطريقة السليمه تصبح مصدرا لتكتاثر الحشائش خاصه الحشائش التي تتكاثر بالريزومات مثل النجيل وغيرها.لذا يجب ان تؤدي باتقان شيديد بيحث لا يترك القائم بها اي مساحات لم تطالها فأسة بل يجب ان يكون العزق فأس خلف فأس. وحتي اذا ما انتهت عملية العزيق يجب ان تترك الحشائش عده ايام لجفافها ومن ثم المرور مرة اخري للتخلص من مخلفات عملية العزيق هذه واخراج ما ينتج عنها الي خارج الحقل حتي لا تعاود بعض الحشائش نموها مره اخري او لا يكون الفأس سبباً في تقسيم الحشيشه الي اجزاء صغيرة ومن ثم زياده انتتشتارها.لذا فانة يمكن مكافحة الحشائش باستخدام العديد من الطرق الزراعية والميكانيكية والكيماويه والحيوية وبالتي يمكننا الحد من انتشارها وتقيل اخطارها علي اللمحاصيل الاقصتصادية.
وأول ما يجب الانتباه إليه في مكافحة الحشائش هو مخزون التربة من البذور، فمعظم الأراضي الزراعیة تحتوى على كمیات ھائلة من بذور الحشائش ویختلف عدد ومكونات بذور الحشائش فى التربة اختلافا كبیرا ولكنه یرتبط ارتباطا وثیقا بالعوامل المناخیة، خواص التربة، المحاصیل المنزرعة، مستوى خدمة الأرض وعملیات مكافحة الحشائش . مخزون البذور یحتوى على بذور من أعمار مختلفة، وأقدمیة البذور تكون حسب درجة تعمقھا بالتربة أو سمك غطاء المخلفات الزراعیة. كما ان أكثر البذور حیویة فى مخزون البذرة ھي الموجودة فى طبقة سطح التربة فى الأراضي المخدومة. من المھم عند تصمیم برنامج لإدارة الحشائش معرفة درجة التجدید لمخزون البذرة فالبرامج التي تأخذ فى اعتبارھا الدورة الزراعیة ومبیدات الحشائش وعملیات الخدمة تلعب دورا مھما فى تحدید أعداد وأنواع البذور فى مخزون التربة . لذلك يجب استخدام نظم المكافحة المتكاملة للحشائش وهي استخدام الأساليب المختلفة والمتاحة لمكافحة الحشائش في منظومة متكاملة لتقليل أعداد الحشائش ومحاولة التخلص من مخزون بذور الحشائش بالتربة وعدم إضافة مخزون جديد من بذور الحشائش بالتخلص من الحشائش بصفة دورية قبل تكوين البذور والتخلص من أعضاء التكاثر الخضري. وذلك باستخدام كل الطرق المتاحة بداية من اعداد الارض للزراعة حتي مرور 45 يوم من زراعتها ولا يجب تأخير المكافحة عن ذلك حتي لا تكون الحشائش قد أحدثت ضررها علي المحصول وتكون نتيجة المكافحة ما هي الا اجراء وقائي لمنع اضافة بذور جديدة الي التربة في العام القادم.
اقرأ أيضًا:
الأدوية والمكملات الغذائية.. “فخاخ قاتلة” احذر التعامل معها لهذه الأسباب