لا يزال مرض الحمي المالطية أحد أكثر الأمراض حيوانية المصدر انتشارًا في العالم وهو مرض معدي تسببه بكتيريا من جنس البروسيلا وتبدأ اعراض هذا المرض في الانسان عادة بالحمي والوهن والتهاب المفاصل والتعرق الشديد وقد يستمر هذا الشكل الحاد للمرض ويتطور إلى مرض مزمن يسبب العجز مع مضاعفات خطيرة إذا لم يتم التشخيص بشكل دقيق وسريع وإذا أهمل في العلاج. ويرجع السبب في العدوى المزمنة الي قدرة ميكروب البروسيلا على البقاء والتعايش داخل الخلايا المناعية الاكولة التي تفشل في القضاء على الميكروب وتعمل كمخزن ووعاء ناقل له. وعلى الرغم من أنه مرض يمكن الإبلاغ عنه، إلا أنه من المقدر أن حالات الإصابة بالمرض في الانسان لا يتم تشخيصها أو الإبلاغ عنها بشكل كافٍ وأن المرض لا يزال يمثل خطرًا كبيرًا على صحة الإنسان.
التدابير العلاجية لإصابة الإنسان بـ البروسيلا صعبة
بالتزامن مع قدرة الميكروب على احداث المرض، فإن التدابير العلاجية للإصابة بالبروسيلا في الإنسان مهمة صعبة أيضًا. نظرا لان ميكروب البروسيلا يتواجد داخل الخلايا المصابة مما يجعل القضاء عليه أمرًا صعبًا، نظرًا لأن العديد من المضادات الحيوية النشطة في المختبر تفشل في الوصول إلى الخلايا المصابة بالبروسيلا بكفاءة، أو تفقد نشاطها كمضاد للميكروبات في البيئة داخل الخلايا، أو لا تستمر لفترة كافية للقيام بدورها كعلاج فعال. لذلك، يتطلب العلاج الحالي للإصابة بالبروسيلا في الإنسان توليفة من المضادات الحيوية بجرعات مضبوطة ولفترات طويلة من الزمن. توصي إرشادات منظمة الصحة العالمية باستخدام الدوكسيسيكلين مع الريفامبين لمدة 6 أسابيع، ولكن التوصيات الأحدث تقترح أيضًا استخدام الدوكسيسيكلين لمدة 6 أسابيع مع الستربتومايسين لمدة 2 إلى 3 أسابيع أو الجنتاميسين لمدة أسبوع واحد. ومع ذلك، على الرغم من الفعالية المعقولة لأنظمة العلاج الحالية، فإنها غالبًا ما تفشل في القضاء على العدوى، مع معدلات انتكاس تتراوح من 5 إلى 10٪ تقريبًا. من ناحية أخرى، فإن العلاجات المركبة أكثر فعالية من العلاجات الفردية.
ظهرت تقنية النانو كنهج واعد لعلاج الالتهابات داخل الخلايا من خلال توفير وضمان استهداف الميكروب داخل الخلايا والإفراج المستمر عن الأدوية المنقولة داخل الخلايا المصابة. قد تؤدي أنظمة توصيل الأدوية هذه إلى تحسين التراكم الخلوي للعقاقير وتقليل تكرار الجرعات المطلوب والذي بدوره سيحسن ويزيد من فاعلية العلاج المضاد للميكروبات. ومن امثلة العلاج بتقنية النانو هو استخدام جنتاميسين أمينوجليكوزيد كمضاد حيوي للميكروبات ذو فعالية كبيرة في المختبر ضد معزولات البروسيلا، وقد تم تغليفه بالفعل في أنظمة دقيقة لعلاج البروسيلا بنتائج واعدة.
تتميز جسيمات الفضة النانوية بمساحات سطحية كبيرة مقارنة بالمعادن السائبة حيث تم استخدام أيونات الفضة وأملاح الفضة لعقود من الزمن كعوامل مضادة للميكروبات في مختلف المجالات بسبب قدرتها على تثبيط النمو ضد الكائنات الحية الدقيقة، ويهتم العديد من الباحثين باستخدام جزيئات الفضة كعوامل مضادة للبكتيريا حيث أثبتت دراسات مختلفة دور جزيئات الفضة النانوية كمضادات للميكروبات ضد كلا من البكتيريا سالبة الجرام وإيجابية الجرام وذلك من خلال التصاقها بسطح غشاء الخلية للبكتيريا واحداث خلل في وظائفها.
وفي دراسة تم اجرائها بمصر تم مقارنة دور فوق اكسيد الهيدروجين (H2O2) بمفرده وبالدمج مع جسيمات الفضة النانوية بتركيزات مختلفة في محاولة للقضاء على ميكروب البروسيلا ميليتنسيز في بعض الالبان الملوثة بالميكروب. حيث أوضحت النتائج قدرة الخليط المكون من جسيمات الفضة النانوية وفوق اكسيد الهيدروجين على قتل ميكروب البروسيلا في اللبن الملوث بتركيز (50 جزء في المليون / لتر) خلال 30 دقيقة حيث تشير هذه النتيجة إلى وجود تأثير تآزري لهذا المزيج.
من بين المواد المضادة للبكتيريا غير العضوية، حظيت أكاسيد المعادن مثل أكسيد الزنك (ZnO) باهتمام متزايد في السنوات الأخيرة، ليس فقط لأنها مستقرة في ظل ظروف المعالجة القاسية، ولكن أيضًا لأنها تعتبر عمومًا مواد آمنة للإنسان والحيوان. وعلى وجه الخصوص، تُظهر الجسيمات النانوية المصنوعة من أكاسيد المعادن بأحجام أقل من 100 نانومتر أنشطة مضادة للميكروبات نظرًا لخصائصها الخاصة (مثل حجم الجسيمات الصغير، ومساحة السطح الكبيرة) حيث أظهرت الدراسات الحديثة أن بعض الجسيمات النانوية المصنوعة من أكاسيد المعادن، مثل اكسيد الزنك في شكل جسيمات نانو، له سمية انتقائية للبكتيريا وتأثيرًا ضئيلًا على الخلايا البشرية.
ومما سبق ذكره فإن الحاجة تستدعي إلى استخدام علاجات جديدة لعلاج الأمراض البكتيرية المزمنة ومسببات الأمراض داخل الخلايا على وجه الخصوص حيث يمثل استخدام العلاجات النانوية نهجًا لاستغلال حجم وشحنة الأغشية البيولوجية للتغلب على حواجز علاج مسببات الأمراض داخل الخلايا بما في ذلك البروسيلا ميليتنسيز. من خلال إحدى الابحاث المنشورة بالدوريات العلمية الحديثة تم تصنيع جزيئات بوليانهيدريد النانوية المكونة من البوليمرات المشتركة لحمض السيباسيك، وهكسان 1.6 مكرر لتغليف المركبات المضادة للميكروبات دوكسيسيكلين وريفامبيسين. وقد أظهرت الجسيمات النانوية إطلاقًا مستدامًا للريفامبيسين لمدة أسبوع مع نشاط مضاد للميكروب البروسيلا بلغ ذروته عند 72 ساعة واستمر لمدة تصل إلى أسبوع. كما اوضحت بان معالجة الخلايا المصابة ببكتيريا البروسيلا ميليتنسيز بجسيمات نانوية تحتوي على ريفامبيسين يقضي بسرعة على البكتيريا القابلة للحياة داخل الخلايا بعد 48 ساعة من العلاج مما يشجع على الاستمرار بدراسة تلك المركبات وغيرها لمحاولة الوصول الي نتائج مرضية وفعالة وامنة باستخدام تلك التقنية في العلاج.
مقال
استخدام تقنية النانو كمحاولات لايجاد علاج بديل وامن وفعال للبروسيلا
د. نور الدين حسني عبد الحميد
باحث أول بقسم بحوث البروسيلا
معهد بحوث الصحة الحيوانية
المصدر
عدد شهر مارس 2021 من الصحيفة الزراعية الصادرة عن إدارة الثقافة الزراعية التابعة لقطاع الإرشاد الزراعي بوزارة الزراعة
اقرأ أيضا
ميكروب البروسيلا.. محاذير التعامل مع الحيوان المصاب وأهم التوصيات
البروسيلا.. طرق انتقاله من الحيوان للإنسان واشتراطات التعامل مع اللحم والألبان
لغة الجسدمؤشر خطير لإصابة الحيوانات بالمرض.. كيفية تفسيرها والتعامل معها
لا يفوتك
الحيوانات الضارة ..وطرق المكافحة