تبرز الحاجة الماسة إلى تفعيل دور البحث العلمي والبحوث الزراعية، مع العمل على تسويق نتائجها بشكل فعال، انطلاقًا من الأهمية المتزايدة للمحاصيل الزراعية وبخاصة الاستراتيجية منها في دعم الاقتصاد الوطني وتحقيق الأمن الغذائي، لضمان الاستفادة من الجهود العلمية التي تُبذل داخل المعامل وتحويلها إلى تطبيقات عملية تُحدث فارقًا ملموسًا على أرض الواقع، وهو ما تناوله الدكتور عطوة أحمد عطوة، مدير مركز إدارة وتسويق التكنولوجيا بمركز البحوث الزراعية، خلال لقائه مع الإعلامي ماهر الفضالي، مقدم برنامج «صناع المستقبل»، المذاع عبر شاشة قناة مصر الزراعية.
استهل الدكتور عطوة أحمد عطوة، مدير مركز إدارة وتسويق التكنولوجيا بمركز البحوث الزراعية، حديثه خلال استضافته في برنامج «صناع المستقبل» الذي يقدمه الإعلامي ماهر الفضالي عبر شاشة قناة مصر الزراعية، بالإشارة إلى أن ملف الاكتفاء الذاتي من المحاصيل الزراعية يشهد اهتمامًا متزايدًا من الدولة المصرية في السنوات الأخيرة، مؤكدًا أن هذا الاهتمام انعكس بوضوح على محاور متعددة أبرزها التوسع في زراعة المحاصيل الاستراتيجية، وتطوير نظم الإرشاد الزراعي والبحوث الزراعية، وتحفيز المزارعين على العودة لزراعة المحاصيل التي تمثل أمنًا غذائيًا حقيقيًا، خاصة في ظل ما يفرضه الواقع من تحديات اقتصادية ومناخية وسكانية متسارعة، موضحًا أن تحقيق الاكتفاء الذاتي المطلق قد لا يكون هدفًا واقعيًا في ظل السياق العالمي، لكنه شدد على ضرورة تقليص الفجوة الغذائية وتقليل الاعتماد على الواردات، من خلال الاستثمار في البحوث الزراعية والعلمية والتكنولوجيا الزراعية، وتعزيز التواصل مع الفلاح المصري، وتحقيق التوازن بين الزراعة التقليدية والتوسع الأفقي والرأسي في الإنتاج.
البحوث الزراعية وجهود الدولة لتقليص الفجوة في الزيوت
أوضح الدكتور عطوة أن الدولة المصرية اتخذت خطوات جادة في ملف الزيوت خلال العامين الماضيين، موضحًا أن نسبة الاستيراد من الزيوت تفوق 90%، وهو ما تطلب تحفيز زراعة المحاصيل الزيتية بشكل مباشر، لافتًا إلى أن المساحات المزروعة من محاصيل مثل عباد الشمس وفول الصويا شهدت زيادة ملحوظة، مرجعًا هذا التوسع إلى دعم الدولة والمزارعين بزراعات تعاقدية أصناف عالية الإنتاج وغنية بنسبة التصافي، مشيرًا إلى أن مركز البحوث الزراعية لعب دورًا محوريًا في توفير تلك الأصناف، مؤكدًا أن الزراعة التعاقدية ساعدت على تجميع المزارعين في كيانات إنتاجية أكبر، ما عزز من فرص تقليل الاعتماد على الخارج تدريجيًا، ومتابعًا بأن تحقيق الاكتفاء الذاتي المطلق أمر نادر عالميًا، فجميع الدول تستورد بعضًا من احتياجاتها الغذائية.
تراجع الإرشاد الزراعي وجدوى زيادة العمل على نتائج البحوث الزراعية
فسر الدكتور عطوة ما يبدو كتراجع في الاكتفاء الذاتي من بعض المحاصيل مثل الذرة الصفراء والفول البلدي، مؤكدًا أن هذا التراجع لم يكن في حجم الإنتاج بقدر ما كان ناتجًا عن تغييرات في أولويات الزراعة والتوسع في محاصيل بديلة مثل الفراولة والموز، مشددًا على أن أحد أهم أسباب هذا التحول كان ضعف منظومة الإرشاد الزراعي خلال العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، ما أثر سلبًا على مستوى التواصل بين الدولة والمزارع، مضيفًا أن الدولة بدأت مؤخرًا إصلاح هذا الخلل من خلال إعادة تفعيل دور المرشد الزراعي، وتبني أدوات تكنولوجية حديثة للتواصل مع المزارعين، مشيرًا إلى أهمية التواصل المباشر مع الفلاح المصري الذي لا يقتنع إلا بما يراه بعينه، وهو ما يتطلب تقديم نماذج واقعية لتطبيق التكنولوجيا الزراعية الحديثة.
تغير التركيبة المجتمعية في الريف المصري
سلط الدكتور عطوة الضوء على التغيرات التي طرأت على البنية المجتمعية للريف المصري، مؤكدًا أن التركيبة الذهنية والعملية للمشتغلين بالزراعة قد تغيرت، موضحًا أن المجتمع الزراعي بات يضم ثلاثة أنماط رئيسية: الفلاح صاحب الخبرة المتوارثة، والمزارع المتعلم الذي دخل المجال من خلال أسرته لكنه قد لا يستمر فيه، والممارس الذي يتعامل مع الزراعة كمجال للاستثمار، مشيرًا إلى أن هذا التغير أدى إلى تراجع بعض القيم والممارسات الريفية التقليدية التي كانت تسهم في تحقيق الاكتفاء الذاتي داخل الأسرة الريفية، موضحًا أن القرية لم تعد تنتج غذاءها بنفس الشكل السابق، ما فرض عبئًا إضافيًا على الدولة لتلبية احتياجات تلك الأسر، متابعًا بأن هذا التحول لا يُعد سلبيًا بالمطلق، بل يعكس تأثيرات التطور في التعليم والبحث العلمي.
القرية المصرية ونقص الأيدي العاملة الزراعية
أعرب الدكتور عطوة عن قلقه من تحول القرية المصرية من وحدة إنتاجية مكتفية ذاتيًا إلى كيان يعتمد على الشراء لتلبية احتياجاته الغذائية، مشيرًا إلى أن البيوت الريفية القديمة كانت تنتج الخبز والزبدة والجبن والبيض والفول، بينما أصبحت اليوم تستهلك معظم تلك المنتجات من السوق، معللًا هذا التحول بضعف العمل الزراعي داخل القرية نتيجة التغيرات الاقتصادية والاجتماعية والسكانية، مؤكدًا أن هذا الوضع يتطلب وقفة جادة لإعادة تنشيط الزراعة داخل المجتمعات الريفية، مشددًا على أن المشكلة لا تكمن في التطور ذاته، بل في كيفية التعامل معه وإدارته بما يضمن الحفاظ على التوازن بين الحداثة والاكتفاء، مبرهنًا على ذلك بأن كل تطور علمي له نتائج إيجابية وسلبية، داعيًا إلى مراجعة السياسات الزراعية والاقتصادية بشكل يراعي خصوصية الواقع الريفي المصري.