تبرز الحاجة الماسة إلى تفعيل دور البحث العلمي والبحوث الزراعية، مع العمل على تسويق نتائجها بشكل فعال، انطلاقًا من الأهمية المتزايدة للمحاصيل الزراعية وبخاصة الاستراتيجية منها في دعم الاقتصاد الوطني وتحقيق الأمن الغذائي، لضمان الاستفادة من الجهود العلمية التي تُبذل داخل المعامل وتحويلها إلى تطبيقات عملية تُحدث فارقًا ملموسًا على أرض الواقع، وهو ما تناوله الدكتور عطوة أحمد عطوة، مدير مركز إدارة وتسويق التكنولوجيا بمركز البحوث الزراعية، خلال لقائه مع الإعلامي ماهر الفضالي، مقدم برنامج «صناع المستقبل»، المذاع عبر شاشة قناة مصر الزراعية.
في البداية استهلّ الدكتور عطوة أحمد عطوة، مدير مركز إدارة وتسويق التكنولوجيا بمركز البحوث الزراعية، حديثه في برنامج «صناع المستقبل»، الذي يقدمه الإعلامي ماهر الفضالي على شاشة قناة مصر الزراعية، بالتأكيد على أن دعم البحوث الزراعية لا ينبغي أن يكون حكرًا على الدولة، مشددًا على أهمية تبني القطاع الخاص لدورٍ فعال في دعم وتطوير البحث العلمي في المجال الزراعي، مشيرًا إلى أن هذا التوجه معمول به في كبرى الدول المتقدمة التي تدرك أن الاستثمار في العلم هو استثمار في المستقبل.
دعم غير مباشر وثمار مباشرة لمركز البحوث الزراعية
أوضح الدكتور عطوة أن مركز البحوث الزراعية يؤدي دورًا محوريًا في دعم الزراعة المصرية بشكل غير مباشر، مستشهدًا بدوره في تحسين إنتاجية محصول القمح، مدللًا بأن تطوير الأصناف قد ساهم في زيادة الإنتاج بواقع أردب واحد للفدان، الأمر الذي يعني – في ظل زراعة 3 ملايين فدان – إضافة نحو نصف مليون طن من القمح، مؤكدًا أن هذا يعادل دعمًا فعليًا وقيمة اقتصادية مضافة للاقتصاد القومي، مشددًا على أن هذه الجهود تمتد لتشمل إنتاج التقاوي والأسمدة والبذور، ويتم استثمار عوائدها في أبحاث جديدة تعزز من الاستدامة الزراعية.
البحث والتطوير والابتكار.. شراكة ضرورية مع القطاع الخاص
لفت الدكتور عطوة إلى أهمية أن يتبنى القطاع الخاص إنشاء معامل للبحث والتطوير والابتكار بالشراكة مع المراكز البحثية والجامعات، موضحًا أن هذه الشراكة تتيح تقديم حلول تطبيقية ناجحة للمشكلات التي تواجه القطاع الزراعي، مؤكدًا أن العائد منها يتجاوز أضعاف ما يُنفق عليها، سواء من الناحية الاقتصادية أو المجتمعية، معتبرًا ذلك مسؤولية وطنية تحقق منفعة متبادلة بين الدولة والقطاع الخاص، مشددًا على أن دعم البحث العلمي يجب أن يصبح جزءًا أصيلًا من ثقافة الشركات العاملة في المجال الزراعي والصناعي.
تحديات الموارد وتحقيق أقصى استفادة من وحدة الأرض والمياه
عدد الدكتور عطوة أبرز التحديات التي تواجه الزراعة المصرية، مشيرًا إلى الزيادة السكانية، محدودية الرقعة الزراعية، ونُدرة المياه، معللًا أن مصر تُصنف عالميًا كدولة تحت خط الفقر المائي، موضحًا أن الدولة تسعى لتجاوز هذه التحديات عبر مشروعات عملاقة لاستصلاح الأراضي، مثل مشروع الـ1.5 مليون فدان في “مستقبل مصر”، ومشروع “الدلتا الجديدة”، مؤكدًا أن الوصول إلى 5 ملايين فدان بحلول 2030 يتطلب أصنافًا زراعية تتحمل الملوحة والجفاف، ونُظم ري ذكية ومتطورة.
مشروعات معالجة مياه الصرف الزراعي: حلول مبتكرة لأزمة المياه
أشار الدكتور عطوة إلى الجهود الكبيرة المبذولة في مجال معالجة مياه الصرف الزراعي، مستشهدًا بمحطتي “بحر البقر” و”الحمام”، موضحًا أن محطة الحمام وحدها تنتج نحو 5.6 مليون متر مكعب يوميًا، فيما تخدم محطة بحر البقر نحو 400 ألف فدان بشمال سيناء، مؤكدًا أن هذه المشاريع تمثل نقلة نوعية في تطوير الزراعة وتوطينها، موضحًا أنها تتيح إعادة استخدام المياه في الزراعة بعد معالجتها بشكل ثلاثي، لتصبح قابلة للخلط مع المياه المحلاة وتحقيق جودة مياه مماثلة للمياه العذبة.
قصص نجاح في تطوير الأصناف وتحقيق الاكتفاء الذاتي
سلط الدكتور عطوة الضوء على قصص النجاح في مجال تطوير الأصناف الزراعية، موضحًا أن مصر حققت اكتفاءً ذاتيًا في بذور المحاصيل الحقلية، وبدأت تصديرها لعدة دول، مشيرًا إلى تطور إنتاج القمح من 10-12 أردبًا للفدان قبل عقد إلى متوسط 18 أردبًا حاليًا، وبحد أقصى يصل إلى 30 أردبًا، مضيفًا أن هناك أصنافًا من الأرز ذات إنتاجية عالية تتحمل الملوحة والجفاف، بل ويمكن زراعتها بالري الجاف لتوفير نحو 40-50% من المياه مقارنة بالأرز التقليدي.
البرنامج القومي لإنتاج بذور الخضر وتقليل الفجوة الاستيرادية
أكد الدكتور عطوة أن البرنامج القومي لإنتاج أصناف الخضر، والذي يحظى بدعم رئاسي، نجح في تحقيق نتائج ملموسة، مشيرًا إلى أن مصر كانت تستورد نحو 98% من احتياجاتها من بذور الخضر، موضحًا أن الخطة تستهدف خفض هذه النسبة بنسبة 50% بحلول عام 2028، مشددًا على أهمية هذا التحول في دعم الاقتصاد الوطني وتقليل الفاتورة الاستيرادية.
تحديات إنتاج أصناف جديدة وضرورة الاعتماد على التقنيات الحديثة
أوضح الدكتور عطوة أن إنتاج صنف جديد من المحاصيل الحقلية قد يستغرق من 7 إلى 10 سنوات، مؤكدًا أن هذا يتطلب تجارب طويلة لاختبار مقاومته للأمراض والملوحة والجفاف، مفسرًا أن هذا ما يدفع مصر للاعتماد على تقنيات حديثة مثل “الكريسبر”، وهي تقنية متقدمة في الهندسة الوراثية، تتيح إنتاج أصناف عالية الإنتاجية دون الإخلال بالتركيب الوراثي أو التوازن البيئي.
تقنية الكريسبر.. طفرة علمية تسرّع عملية التهجين الآمن
تابع الدكتور عطوة موضحًا أن تقنية “الكريسبر” تعتمد على التحكم في البلازميد داخل النبات، لإنتاج صفات وراثية مرغوبة مثل مقاومة الملوحة والجفاف وزيادة الإنتاج، مؤكدًا أن هذه التقنية لا تؤثر على التعبير الوراثي الأساسي للنبات، موضحًا أنها آمنة بيئيًا وفعالة اقتصاديًا رغم تكلفتها العالية، مشيرًا إلى أن مصر بدأت خطوات جادة في تطبيقها، ومتوقعًا أن تظهر نتائجها خلال 5 إلى 10 سنوات.
الجمع بين الحلول السريعة والاستراتيجيات طويلة المدى
أشار الدكتور عطوة إلى أن مصر تتبع حاليًا مسارين متوازيين في البحوث الزراعية، موضحًا أن الأول هو “المدى القصير”، ويهدف لتوفير حلول عاجلة لسد الفجوة الغذائية، بينما يركز المسار الثاني “المدى البعيد” على تطوير تقنيات مستدامة تحقق الاكتفاء الذاتي والاستقرار الزراعي على المدى الطويل، مشددًا على أن هذا النهج المتوازن يمثل استراتيجية وطنية واعدة.
جهود تطوير الإنتاج الحيواني وتحسين السلالات
اختتم الدكتور عطوة حديثه بالإشارة إلى الجهود المبذولة في مجال الإنتاج الحيواني، مشيرًا إلى أهمية الأقلمة للسلالات المستوردة والتلقيح الصناعي، موضحًا أن مصر تعمل على إدخال سلالات محسّنة مثل الجاموس الإيطالي، وتجري عليها تجارب لتأقلمها تدريجيًا مع البيئة المحلية، مؤكدًا أن هذه الجهود تتم بالتعاون مع قطاع الإنتاج والقطاعات التابعة لمركز البحوث الزراعية.