الاكتفاء الذاتي من القمح أحد الأهداف التي توليها الدولة والجهات المعنية اهتمامًا بالغًا، ما أدى لإقرار حزمة من الإجراءات التي تُحقق النتائج المأمولة، وهو الأمر الذي انعكس بالإيجاب على خريطة الإنتاج، والقضاء على مُعضلة خلط الأصناف، علاوة على المُضي قُدمًا في الطريق الصحيح للعودة لخريطة الإنتاج العالمي.
وخلال حلوله ضيفًا على برنامج “الزراعية الآن”، المُذاع عبر شاشة قناة مصر الزراعية تحدث الدكتور محمد عبد الحميد عابدين، الخبير الزراعي والباحث في وراثة وتربية النباتات، عن كيفية الوصول لتحقيق الاكتفاء الذاتي من القمح، في ضوء المُتغيرات العالمية والزيادة السكانية.
في البداية تحدث الدكتور محمد عبد الحميد عابدين، عن آليات وركائز تحقيق الاكتفاء الذاتي من القمح، موضحًا أن العناصر الأساسية للمنظومة متوافرة، مثل الأرض والأجواء والأيدي العاملة المدربة، لافتًا إلى أن هذه العملية ينقصها فقط إحداث التناغم المطلوب، للوصول لتحقيق النتائج المأمولة منها.
تحقيق الاكتفاء الذاتي من القمح وعلاقته بتغيير “ثقافة الاستهلاك”
لفت عابدين إلى نمط الثقافة الاستهلاكية هو المسيطر على السواد الأعظم من المصريين، وهو الأمر الذي لا يمكن تغييره أو تعديله بسهولة، موضحًا أن الوصول لتحقيق الاكتفاء الذاتي من القمح ليس بالأمر المُستحيل، ويحتاج فقط لوجود الإرادة الحقيقية، للعودة بمصر كنافذة تصديرية مرة أخرى.
وانتقل الدكتور محمد عبد الحميد عابدين إلى حتمية تغيير ثقافة استهلاك رغيف خبز مكون من قمح بنسبة 100%، مُشيرًا إلى وجود العديد من البدائل، مثل الذرة والبطاطا وغيرها، والتي يمكنها أن تحل محل القمح، وبنسب لا تتجاوز الـ20%، ما يحقق عدة أهداف، أبرزها تخفيض معدل الاستهلاك، وزيادة القيمة الغذائية، وتوفير العملة الصعبة.
الأم.. ركيزة أساسية في تحقيق الاكتفاء الذاتي من القمح
ودعم عابدين دور الأم في تغيير ثقافة استهلاك القمح لدى الأسرة المصرية، بوصفها المسؤولة عن ملف التغذية بكل منزل، ما يُسهل من مأموريتها في إدخال بعض البدائل، وإحداث التغيير المطلوب بتعديل النمط الغذائي اليومي، سواء عن طريق الاقناع بفكرة تقبل الخبز “الخليط”، أو بالاستغناء عن تواجد الخُبز كمكون رئيسي في الوجبات الثلاث.
موضوعات قد تهمك:
أصناف القطن.. أحدث التقاوي التي تم اعتمادها وأفضل الأماكن لزراعتها
عرف الدكتور محمد عبد الحميد عابدين مصطلح الزراعة التعاقدية بأنه علاقة وعقد مشروط يتم إبرامه ما بين طرفين، “المُزارع أو المُنتج” و”الجهة” التي سيتم توريد الإنتاج والحصاد النهائي إليها، وذلك نظير مبلغ مالي “مُعلن” ومُرضي للطرفين.
وأوضح أن نظام الزراعة التعاقدية وإقرار حافز توريد القمح وإعلان سعر الإردب قبل بداية الموسم، خلق الدافع لدى قطاع كبير من المُزارعين لتغيير بوصلتهم صوب زراعة القمح ورعايته وزيادة مساحته وإنتاجيته المُتوقعة، نظرًا للعائد المُجزي الذي سيتم الحصول عليه في نهاية الموسم، ما يضعنا على الطريق الصحيح وتحقيق الاكتفاء الذاتي من القمح.
وأكد عابدين أن نظام الزراعة التعاقدية ضمن تحقيق المعادلة المُلزمة باتباع سياسة صنفية مُعينة، تتماشى مع التوصيات الفنية التي أقرها الباحثون، لتحقيق أعلى إنتاجية مُمكنة، طبقًا للظروف الطبيعية والمُناخية الخاصة بكل قطر، ما يعود بالإيجاب على الدولة والمُزارع، ويُضمن توافر احتياجات المُستهلك في ذات الوقت.
مزايا الزراعة التعاقدية
سلط الدكتور محمد عبد الحميد عابدين الضوء على مزايا نظام الزراعة التعاقدية، والتي تُحقق التناغم المطلوب ما بين الدولة والمُزارع، وتُعيد بناء جسور الثقة بين الطرفين، علاوة على استيعاب الطاقة الإنتاجية القصوى للمُزارعين، وضمان تسويق المحصول النهائي بالسلاسة المطلوبة، واستلام المُخصصات المالية نظير حصيلة البيع دون تزاحم أو تأخير.
إقرأ أيضًا:
الخدمة الشتوية ومراحل النمو وأهم المعاملات الزراعية الخاصة بمحصول الموالح
وأوضح أن تطبيق نظام الزراعة التعاقدية قضى على محاولات التلاعب التي كان يقوم بها بعض معدومي الضمائر، لاستغلال المزايا التي تمنحها الدولة للمُزارعين، بتوريد الأقماح المستوردة للاستفادة من فارق الأسعار لصالحهم، وهو الأمر الذي لم يعد تحقيقه مُمكنًا، نظرًا للتقيد بالسياسة الصنفية التي أقرتها وزارة الزراعة، لتوريد أصناف بعينها، علاوة على إجراء كافة الاختبارات اللازمة قبل استلام الشُحنات المُتعاقد عليها.
الزراعة التعاقدية.. مؤشرات الحصاد ونسبة الاستيراد
لفت الدكتور محمد عبد الحميد عابدين إلى أن مزايا الزراعة التعاقدية لا تتوقف عند حدود الالتزام بالسياسة الصنفية المُعتمدة، موضحًا أنها تمتد وصولًا لتوفير قاعدة بيانات دقيقة، بمساحة وإجمالي الإنتاج المُتوقع قبل نهاية الموسم، ما يترتب عليه التعرف على نسبة الاحتياجات التي سيتم استيرادها من الخارج بشكل صحيح.
الصوامع الحكومية وترشيد معدلات الهدر
وأوضح عابدين أن تطبيق نظام الزراعة التعاقدية حقق عامل الأمان بالنسبة للمُزارعين، طالما استقر الحال على توريد القمح للدولة، ما فتح المجال للتحول صوب تخزينه بالصوامع الحكومية، بعيدًا عن المخازن العشوائية، التي كانت تُسبب خسائر فادحة في المحصول، نظرًا لعدم توافر الشروط القياسية ومعاملات الأمان الصحيحة فيها، ما كان يرفع من نسبة الفاقد والهدر والتي تعدت في بعض الأحيان 20% من إجمالي حجم الإنتاج، نتيجة الإصابات الحشرية التي كانت تحدث فيها.
لا يفوتك مُشاهدة هذا الفيديو: