في ظل توجهات الدولة المصرية لتحقيق التنمية واقتحام الصحراء وتنميتها لتتحول الى جنة خضراء تحقق الاكتفاء الذاتي ولمواجهة شبح الزيادة السكانية. كان الإبل هو احد المصادر الوراثية الواعدة لما يمتاز به من العديد من مظاهر التأقلم مع البيئة الصحراوية التى تجعله يستطيع النمو والانتاج بشكل طبيعي في ظل هذه الظروف القاحلة.
وبما ان مصرتقع ضمن المناطق شبه الاستوائية الحارة التى تمتاز بطقس حار وجاف و مع إنخفاض نصيب الفرد من البروتين الحيواني حيث لا يتعدى نصيب الفرد من اللحوم الحمراء وفقا لآحدث الاحصائيات 18.2 جم / فرد يوميا في حين أن المنظمة الدولية للأغذية والزراعة (FAO) توصي للفرد 29.3 جم يومياً.
لذلك كان من الواجب على والضروري على كافة الجهات المعنية بالانتاج الحيواني من البحث العلمي والمزارع الانتاجية بحث كافة السبل للعمل على تقليل تلك الفجوة الغذائية في ظل التحديات التى يواجهها الانتاج الحيواني من التغيرات المناخية وقلة الغذاء وارتفاع أسعار الاعلاف المصنعة مع زيادة تكاليف انتاج الاعلاف الخضراء وبما يحقق ايضا التنمية المستدامة والحفاظ على البيئة.
الإبل أحد الوسائل الاقتصادية لتوفير البروتين الحيواني
لذلك تعتبر الإبل من الركائز الاساسية واحد الوسائل الاقتصادية الهامة لتوفير البروتين الحيواني بمختلف صورة ( لحم – لبن) وذلك للعديد من الاسباب:
أولاً: الإبل من الحيوانات التي حباها الله بالقدرة على الانتاج بشكل طبيعي في ظل ظروف قاسية لا تتحملها باقي الحيوانات المزرعية والتى يصعب عليها مجرد الحياة .فلقد منح الله عز وجل هذا الحيوان العديد من الخصائص الفسيولوجية والمورفولوجية للتاقلم مع البيئة الصحراوية من القدرة على تحمل العطش لفترات طويلة وأيضا شرب أى نوعية من المياة التى تتوفر حتى لو كانت مياة مالحة بالإضافة إلى استساغته لعدد من النباتات الملحية والشوكية التى لا يتغذى عليها سواه
ثانياً: يستطيع هذا الحيوان الاستفادة من المخلفات الزراعية والنباتات الجافة الفقيرة في المحتوى الغذائي وتحويلها لمصدر بروتين حيواني عالى القيمة الحيوية يلبي الاحتياجات الغذائية للانسان وبصورة صحية جدا وذلك لأن التركيب الغذائي لألبان الإبل يتميز بزيادة محتواه من الفيتامينات مثل ( فيتامين ج ) .
وكذلك مضادات الاكسدة والدهون سهلة الهضم لصغر قطر حبيبات الدهن ويحتوي ايضا على العديد من المعززات المناعية التى تجعله يستخدم كغذاء علاجي للعديد من الأمراض ورفع المناعة بالجسم أما اللحوم تتميز لحوم الإبل بإنخفاض محتواها من الكوليستيرول والدهون بشكل عام لانه يعتمد على تخزين من الدهون في منطقة السنام مما يجعل الدهون الخلوية وبين الانسجة أقل منها في الحيوانات الاخرى.
كذلك أثبتت الدراسات الحديثة زيادة القيمة الحيوية للحوم الإبل لزيادة محتواها من الاحماض الامينية الضرورية للأنسان مثل الميثيونين وغيرها مما يجعل الاعتماد على لحوم والبان الإبل في تغذية الانسان من المصادر الصحية جدا.
ثالثاً: نستطيع القول بأن هذا الحيوان صديق للبيئة في ظل الدعوات الكبيرة للحفاظ على البيئة والتنمية المستدامة والحفاظ على الموراد وتقليل الانبعاثات والاضرار على البيئة فهو يمتاز بقدرته العالية على الاستفادة من المواد الغذائية مثل اليوريا التى تستطيع كلية الجمل استخلاصها وإعادة امتصاصها مرة أخرى للدم وتوجيهها للكرش لإستخدامها كمصدر نيتروجيني غير بروتيني (NPN) تستخدمه البيئة الميكروبية بالكرش.
وتقوم بتحويله لبروتين ميكروبي وذا يفسر قدرة هذا الحيوان على الاستفادة من علائق قليلة المحتوى من البروتين حيث أثبتت الدراسات العديدة ان تغذية الإبل النامية على عليقة تحتوى على 12 – 14 % بروتين تكفى جدا لتحقيق معدلات نمو عالية تتقارب مع باقي الحيوانات المزرعية الاخرى.
وحيث ان نسبة بروتين العلف هى المحدد الاساسي لسعره كما تشكل تكاليف التغذية حوالى 60-70% من تكاليف دورة التسمين فهذا دليل على اقتصادية هذا الحيوان فهو يعتمد على مدخلات أقل ليحقق عوائد متقاربة مع غيره من الحيوانات.
رابعاً: يقع على الإبل ظلماً كبيراً في مصر من قديم الاذل حيث يعاني من ضعف الاقبال من المستهلكين وكان ذلك قديما له سبباً منطقياً حيث كانت الإبل قديما تستخدم فقط في أغراض العمل الزراعي الشاق كالنقل وحمل اوزان ثقيلة لمسافات بعيدة.
كما ان تعداد الإبل في مصر كان وما زال قليلأً حيث يكون معظم المذبوحات من الإبل تعتمد على الاستيراد من الدول الافريقية مثل السودان والصومال وجيبوتي والتى تعاني بدورها من طبيعة جغرافية وعرة.
وكذلك ضعف في الامكانيات فيقوم التجار بنقل هذه الحيوانات من مناطق الرعي الى الحدود المصرية البرية عن طريق سير الحيوانات على الاقدام لمسافات شاسعة كل تلك العوامل تؤدي بدورها إلى زيادة خشونة وقساوة لحوم هذه الحيوانات بعد الذبح واحتياجها لفترات طويلة للتسوية. ولكن وبعد التجارب العملية.
وكذلك متابعة الاسواق وجد أن عند توفير ظروف تربية وتسمين مناسبة ومماثلة لتلك الظروف التى تتوفر لغيرها من الحيوانات المزرعة كالابقار والجاموس والاغنام فإنها تحقق نفس العائد وتميزت لحومها بنفس الجودة والمواصفات أضف إلى ذلك رخص التكاليف وارتفاع القيمة الحيوية والصحية لها.
معوقات إنتاج اللحوم في مصر
في ظل سعى الحكومة المصرية والقيادة السياسية لسد هذه الفجوة الغذائية والسيطرة على جنون أسعار اللحوم فقد أمكن خلال السنوات الاخيرة تحقيق الاكتفاء الذاتي من الدواجن (لحوم – بيض) وكذلك الاسماك بمختلف أنواعها إلا أن توفير اللحوم الحمراء ظلت التحدي الاكبر.
حيث اعتمدت الحكومة على الاستيراد سواء حيوانات حية او استيرات الآف الاطنان من اللحوم المجمدة والتى تصطدم ايضا مع ذوق المستهلك الذي يفضل اللحوم البلدية ولكن لتوفير اللحوم البلدية محلياً يواجهة العديد من المعوقات متمثلة في:
1- نقص مياه الري وخصوصا في مناطق الاستصلاح الجديد بما يعيق عمليات التوسع في زراعة الاعلاف الخضراء ومحاصيل الاعلاف المختلفة مثل الذرة والصويا.
2- إنخفاض مساحة الرقعة الرزاعية والتى لا تتعدى 5% من إجمالي مساحة جمهورية مصر العربية محصورة في شريط ضيق في الوادي والدلتا يتنافس فيه الانسان مع الحيوان على زراعة المحاصيل الغذائية خصوصا التنافس بين القمح والبرسيم شتاءاً.
3- النقص الشديد في الاعلاف الخضراء لنقص المياه صيفاً.
4- ضعف القيمة الوراثية للصفات الانتاجية في السلالات المحلية حيث أنها رغم تميزها الشديد في التأقلم مع الظروف البيئية المحلية إلا ان انتاجها ضعيف .
5- محدودية المتابعة البيطرية والرعاية الصحية للحيوانات وبالأخص في المناطق النائية والصحراوية لصعوبة وصول الاطباء البيطرية مما يجعل ثروتنا الحيوانية فريسة سهلة للأمراض والاوبئة.
6- معظم الحيازة الحيوانية في مصر موجودة مع صغار المربين من الفلاحين مما يجعل عمليات التحصين ومتابعة وتسجيل الانتاج والحالة الصحية للحيوانات كذلك عمليات التطوير والتحسين الوراثي للسلالات المحلية من الامور بالغة الصعوبة.
7- عدم استقرار الاستراتيجية السعرية سواء للحيوانات الحية أو اللحوم وكذلك مدخلات الانتاج من أدوية وأعلاف ومواد خام نظراً لآن الاعتماد الكلي على استيراد هذه الخامات مما يجعلها أكثر حساسية لمتغيرات السوق العالمي.
التركيب الكيميائي للحم الإبل
هناك تباين في نسب مكونات لحوم الإبل، ويعود ذلك إلى أسباب عديدة منها السلالة والعمر والتغذية ….. إلخ ولكن التركيب العام للحم الإبل وخاصة في لحم الإبل ذات التسمين العالي كما يلي:
تبلغ نسبة الماء بين(73.4 -77.7(% وتتراوح نسبة البروتين بين (17- 22.8%) وتتوفر فيه جميع الأحماض الأمينية الأساسية مثل:الهستدين، الليوسين، الأيزوليوسين، اللايسين، المثيونين، الثريولين، التربتوفان، الفالين، الفينايل ألانين أما نسبة الدهن في تتراوح بين 1.8 -3.8 %).
كما تمتاز الإبل بأن نسبة الكوليسترول في الدهن أقل من الحيوانات الأخرى بالإضافة إلى ان لحوم الإبل تمتاز بقلة تواجد الدهون بين العضلات حيث يوجه الحيوان معظم الغذاء المخزن في صورة دهون الى منطقة السنام أعلى الظهر حيث يحتوى السنام على حوالى 82% من الدهون الموجودة بالذبيحة ككل. كما أن لحوم الإبل تحتوي على نسبة عالية من الجلايكوجين.
أما بخصوص الأملاح المعدنية فهي بين (0.58 – 1.1%) والرماد (%0.89) ويحتوي لحم الإبل على الأملاح المعدنية بالنسب التقريبية التالية: الصوديوم 98 ملجم/ 100 جم لحم – البوتاسيوم 260.3 ملجم/ 100 جم لحم – الكالسيوم 13.4 ملجم/ 100 جم لحم – الفسفور 188.2 ملجم/ 100 جم لحم – الحديد 1.7 ملجم / 100 جم لحم – الزنك 4.6 ملجم / 100 جم لحم.
الإبل أحد الحلول الواعدة لتوفير البروتين الحيواني في مصر
أثبتت العديد من الدراسات خلال الثلاث عقود الاخيرة تفوق الإبل عمليا وإقتصاديا في توفير كافة صور البروتين الحيواني في ظل ظروف قاسية لا تستطيع غيرها من الحيوانات المزرعية الاخرى فقط الحياة وكذلك من خلال مصادر علفية فقيرة وفي ظروف مناخية قاسية مما يجعلها الحيوان المناسب للظروف المناخية الحالية من جفاف وندرة وتغيرات الشديدة في المناخ.
كما وثُقت ايضا عدد من الابحاث العلمية أن الإحتياجات الغذائية للإبل من الطاقة والبروتين أقل من الحيوانات المزرعية الاخرى نتيجة لقدرتها العالية على التحكم في ميزاني الطاقة والبروتين حسب وفرة الغذاء حيث قد تكتفى الإبل بعليقة نسبة البروتين بها من 10 – 12 % فقط.
أما بالنسبة لإنتاج اللبن فالنوق لها القدرة على إنتاج الحليب الصحي لمدة قد تمتد إلى 18 شهرللموسم الواحد بكمية تقترب من 5000 كجم. كما أن اللبن قد يتغير تركيبه تبعا للظروف البيئية او الرعاية المزرعية حيث وجد أن نسبة الماء قد ترتقع في لبن الإبل العطشى الى 92% وذلك لإرواء رضيعها في تلك الظروف القاسية.
أضف إلى ذلك أن حليب الإبل يمتاز بثبات محتواه من المضادات الميكروبية والتى تجعله يمتاز بمدة حفظ أطول ولكن ايضا يحتاج ايضا الى تقنيات خاصة في التصنيع خاصة في تصنيع المنتجات التى تعتمد على بادئ ميكروبي كالجبن والزبادي.
المميزات الاقتصادية والصحية لإبل التسمين
تتميز ذكور الإبل بقابلية عالية جدا للتسمين عند إتباع الطرق العلمية الصحيحة المماثلة لتلك المتبعة في تسمين الأبقار والجاموس من توفير نظم تغذية ورعاية واسكان تساعد الحيوان على التعبير عن قدرته العالية في التحويل الغذائي والنمو حيث يستطيع الحيوان النامي الوصول لوزن 300 كجم خلال السنة الاولى من عمره .
وأثبتت التجارب والابحاث تحقيق معدلات نمو تقترب من 1000جم يوميا مع التغذية على علائق 12- 14% بروتين. كما أن استخدام الاضافات العلفية ومحسنات الهضم أدت لظهور نتائج مبهرة في عمليات التسمين.
.
مقال
الإبل قاطرة التنمية لتحقيق استراتيجية 2030
إعداد / حسام خالد سعد الدين
باحث بقسم بحوث الإبل – معهد بحوث الإنتاج الحيواني
اقرأ أيضا
تربية الإبل .. تعرف على أهم النظم المتبعة في مصر
تربية الإبل.. أسباب تفوقها كمشروع للإنتاج الحيواني وخريطة توزيعها وتعدادها
لا يفوتك
أهمية تربيه الإبل ودورها فى سد الفجوة الغذائية وخفض أسعار اللحوم