ولعب انحدار الأرض دوراً كبيراً في صناعة شلالات طبيعية من المياه، مختلفة الارتفاعات في أجزاء كثيرة من بحر يوسف، الذي يعد المصدر الرئيسي للمياه في الفيوم، وقد استغل البطالمة هذه الشلالات في دفع «سواقي الهدير» التي صُنعت بأقطار مختلفة، حسب ارتفاع الأرض، لتجلب المياه من أسفل إلى أعلى بفعل قوة الدفع، ومن دون حاجة إلى الاستعانة بالثيران كما كان متبعاً في تلك الفترة من الزمان، في تشغيل السواقي، وهو ما يجعل من سواقي الفيوم أعجوبة لا يوجد مثيل لها في العالم.
صنع المصري القديم سواقي الهدير من الخشب الأبيض، الذي يطلق عليه في تلك المنطقة «العزيزي»، ودعمها بعروق الخشب وبعض الأجزاء من شجر الجزورين المنتشر على حواف النيل والترع في دلتا مصر، حيث تتكون الساقية من عدة أجزاء أبرزها «التابوت»، وهو عبارة عن دائرة كبيرة، يختلف قطرها حسب قوة دفع المياه في المكان الذي توجد به الساقية، وحسب مساحة الأرض المراد سقايتها بالمياه.
ويطلق صناع السواقي في العصر الحديث على هذا الجزء اسم «الدوارة»، نسبة إلى دورانه المستمر لرفع المياه، وهو الجزء الذي يشبه الدائرة، ويتم تغليفه من الجانبين بالخشب الأبيض، قبل أن يتم ترك عدة فتحات لخروج الماء، وهي الفتحات التي يطلق عليها اسم العيون، وهي عبارة عن قطع من الخشب، تثبت على الدوارة على شكل أرفف قوية، لتستقبل قوة دفع المياه، قبل أن تحملها إلى التابوت، في عملية ميكانيكية تحمل الماء من أسفل إلى أعلى، لسقاية الأرض.
ويوجد على مدار الدفع العلوي للساقية سطول (جمع سطل، أي دلو) تشبه المغرفة. ويتم نقل الماء إلى قمة الساقية. ويعمل ثُقْل الماء الذي يسقط في السطول على إدارة الساقية. ويمكن أن يصل مردود الساقية إلى 80%، أي يمكنها تحويل ما مقداره 80% من طاقة المياه الداخلة فيها إلى طاقة ميكانيكية.
ويتم تشييد الساقية التي تُدار بالدفع السفلي للماء ، بحيث ترتطم المياه بالنصول الموجودة في أسفل الساقية. وتعتمد قدرة الساقية على سرعة المياه عند ارتطامها بالنصول، وللساقية التي تُدار بالدفع السفلي مردود منخفض . ولذلك نادرا ما يتم استخدامها.
ومعظم السواقي الحديثة أفقية، وتدور الساقية الأفقية على عمود إدارة عمودي الشكل، ويتم تسييرها بقوة المياه التي ترتطم بالنصول الموجودة على جانب واحد للساقية . والسواقي الأفقية ذات مردود عال، إذا ما تم تصميمها بشكل سليم يلائم ظروف استخدامها.
ويعتقد المؤرخون أن استخدام الساقية قد بدأ في القرن الثاني قبل الميلاد ، وأنها كانت تُستخدم أساساً في طحن الحبوب. وفيما بعد كانت تُستخدم في أنواع كثيرة من العمليات الميكانيكية، كما أنها كانت مصدرا رئيسياً للطاقة حتى ظهور المحرك البخاري في القرن الثامن عشر.
وعلى مدار عقود من الزمان، اكتسبت الفيوم شهرة عريضة من سواقي الهدير، فغنى لها المطربون، ونظمت إليها العديد من الرحلات، حتى أنها تحولت خلال النصف قرن المنصرم إلى مزار سياحي.
الفيوم تضم 200 ساقية تنتشر في الحقول على المجاري المائية
ويوجد في الفيوم نحو 200 ساقية منتشرة في الحقول على المجاري المائية في مواقع الهدارات، ولا يوجد هذا النوع من السواقي في مصر إلا في الفيوم، كما أن ترعة بحر يوسف تعتبر الترعة التي تمد محافظة الفيوم بالماء الذي تجلبه من نهر النيل، وتخرج من النيل عند مدينة ديروط بمحافظة أسيوط مروراً بمحافظة المنيا ومحافظة بني سويف ثم الفيوم، وتنسب ترعة بحر يوسف إلى سيدنا يوسف عليه السلام، وهي المصدر الوحيد الذي يمد مدينة الفيوم بالمياه، ولولا وصول مياه النيل إلى الفيوم عن طريق بحر يوسف لصارت جزءاً من الصحراء الغربية.
وتنافس سواقي الفيوم، العديد من المواقع السياحية المنتشرة في تلك المنطقة، ومن أشهرها بحيرة قارون، وعين السيلين وعين الشاعر، وقد تحولت منطقة السواقي مؤخراً إلى أثر بسبب الإهمال، بعد أن ظلت لعقود مصدراً للجمال والبهجة، وما زاد الطين بلة أن حرفة صناعة السواقي الخشبية في طريقها للانقراض، فلم يتبق من صناعتها سوى ورشة صغيرة، لا تجد من يدعمها أو يحافظ على ذلك التراث المهدد بالاندثار.
اقرأ أيضا
الرئيس السيسي يتابع تطورات مشروع “مستقبل مصر” للإنتاج الزراعي
الرئيس السيسي يتابع تطورات مشروع “مستقبل مصر” للإنتاج الزراعي