لقد ذكر المولى عز وجل النحل في كتابه المنزل، بل وأفرد له سورة تحمل إسمه، ولولا ما لهذه الحشرة المعجزة صغيرة الحجم، عظيمة الشأن والمنفعه، لما كان لها هذا التكريم. ويتضح ذلك من الفوائد الجمة التي تقدمها لنا هذه الحشرة المباركة، وهي الفوائد التي لا تعد ولا تحصى، هذا ما دعا معهد مراقبة الأرض إلى إعلان أن النحل هو أهم مخلوق على وجه الأرض، وذلك في إجتماع الجمعية الملكية في لندن في عام 2019. وبالرغم من أهمية النحل وإعتماد بقاء البشرية على وجوده، إلا أنه من الكائنات المهددة بالإنقراض وذلك لفقد أعداد كبيرة من طوائف نحل العسل في جميع أنحاء العالم، وبنسب تخطت الخمسين بالمائة بل وزادت عن ذلك كثيرا في بعض البلدان. وعلى سبيل المثال بلغ الفقد في طوائف النحل بمحافظتي قنا والأقصر بمصر 15.15 ٪ في خريف وشتاء 2009/ 2010، بينما بلغت تلك النسبة 23.28 ٪ في خريف وشتاء 1010/2011، في نفس المحافظتين (وكان الفقد بسبب أمراض تعفن الحضنة يمثل 15.86 ٪ من إجمالي الطوائف المفقوده، وحوالي 13.5 ٪ من مجموع الطوائف المفقوده كان نتيجة لأعراض تشبه أعراض إنهيار الطوائف). وفي دراسة مماثلة أجريت في محافظة الوادي الجديد، بلغت نسبة فقد طوائف النحل 35.5 ٪ و 38.8 ٪ في خريف وشتاء عامي 2011/2012 و 2012/2013 على التوالي.
وكما هو ملاحظ أن معظم الفقد لطوائف نحل العسل تكون في خلال فصلي الخريف والشتاء وبصوره أكبر وأوضح في الشتاء والذي يمثل الفترة الإكثر صعوبة على النحل و النحال على سبيل السواء. ربما يعود ذلك إلى التأثير السلبي لهذه الفترات وما يصاحبها من ظروف جوية ومناخيه غير مواتيه، حيث يقل نشاط النحل لقلة المرعى مع تزامن إنخفاض في درجات الحرارة وتأثر النحل بذلك لأنه من ذوات الدم البارد كسائر الحشرات، وكلما زاد الإنخفاض في درجات الحراره كلما أدى ذلك إلى زيادة إستهلاك العسل للحصول على الطاقة اللازمة، وكلما زاد المجهود الذي يقوم به النحل مما يؤدي إلى قصر عمر الشغالات وزيادة معدلات الموت، وزيادة إستهلاك العسل لتوليد الحرارة اللازمة للتدفئة ينجم عنها زيادة في ثاني أكسيد الكربون وبخار الماء الذي يعمل على رفع الرطوبة داخل الخلية، وما يسببه ذلك في المساعدة على ظهور الأمراض.
يتعرض النحل للإصابة بالعديد من الأمراض والمسببات المرضية المختلفه والمتنوعه، فمنها ما هو فطري مثل الحضنة الطباشيرية وتحجر الحضنة أو بكتيري مثل تعفن الحضنة الأوروبي، وتعفن الحضنة الأمريكي أو فيروسي مثل أمراض الشلل وأمراض التشوهات أو نتيجة لكائنات أولية وحيدة الخلية مثل النوزيما، هذا بالإضافة إلى الطفيليات والتي من أشهرها طفيل الفاروا. وبالرغم من تواجد تلك المسببات المرضية طوال العام، إلا أنه لكل من تلك الأمراض فترة ملائمة من السنة لكي تظهر أو لكي يحدث المسبب المرضي العدوى، ومع ذلك فإن إحداث الإصابة في السنوات الأخيرة لا يقيد بميعاد معين وذلك نتيجة للتغيرات المناخيه وتعدد الإجهادات التي يتعرض لها نحل العسل، وبصفة خاصة الإجهاد الغذائي ونقص البروتين على وجه الخصوص.
وسنتناول في معرض حديثنا كيفية التعامل مع النحل لنعبر به فترة الشتاء إلى بر الأمان. بداية فإن حماية طوائف النحل من الأمراض التي تصيبه، وكذلك معاملات العلاج لا تتأتى فقط عند ظهور المرض، بل يجب الإستعداد لذلك ومجابهة تلك المخاطر منذ إنشاء المنحل، وأثناء العمليات النحليه التي يقوم بها النحال على مدار العام، وذلك كما يلي:
- إختيار مكان المنحل بحيث تتوافر به الشروط الصحية من حيث التهوية المناسبة صيفا والتشميس الكافي شتاءا، ومصدر للمياه النظيفة، وبعيدا عن مصادر التلوث بأشكالها المختلفة، بالإضافة إلى توافر المرعى الجيد المتنوع والمتعاقب لأنواع مختلفة من المحاصيل المزهرة ولأطول فترة ممكنة من العام.
- شراء الطرود من مصادر موثوق بها وذات نحل صحي وملكات ذات جوده.
- العمل على الحفاظ على طوائف النحل قوية وبتعداد كبير من الشغالات خاصة صغيرة السن (لها دور فعال في تقليل الإصابة بالأمراض).
- التربية والإنتخاب المستمر، للطوائف التي تظهر صفة التحمل للإصابة بالطفيليات والأمراض المختلفة، وهناك العديد من الإختبارات التي يمكن بها تحديد الطوائف التي تحمل هذه الصفة.
- الإحتفاظ دائما بملكات نشيطة وصغيرة السن وذات صفات جوده عالية من حيث تحمل الأمراض.
- التغيير الدوري للملكات ويفضل التغيير في نهاية الصيف وأوائل الخريف لإعطاء الفرصة للملكة الملقحة حديثا في وضع البيض والتشتية بجيش كبير من الشغالات وملكة شابة تبدأ الموسم التالي مبكرا وبنشاط.
- العمليات النحليه التي يقوم بها النحال دوريا والتي من شأنها وقاية النحل من الإصابة من الأمراض المختلفة، أو تقليل الإصابة وأضرارها في حالة وجودها (مثل إضافة بعض المواد الطبيعية للمدخن أو التغذية).
- التشخيص الصحيح وفي الوقت المناسب، مع إستخدام العلاج الملائم من حيث النوعية (التأثير الفعال على المسبب المرضي مع عدم وجود أثر سلبي على النحل أو منتجاته) والجرعة الكافية دون زيادة.
(ملحوظة: لا يوجد ما يسمى بالمعاملة الوقائية في نحل العسل)
- الإهتمام بالتغذية البروتينية والتي يغفل عنها الكثير من النحالين، ويجب أن تتوافر في هذه التغذية البروتينية بعض الشروط وأهمها:
قريبة قدر الإمكان في محتوياتها من حبوب اللقاح الطبيعية – تحتوي على الأحماض الأمينبة الضرورية للنحل – غير سامة للنحل – سهلة الهضم – تكون رخيصة – تمد النحل بإحتياجاته الضرورية من البروتينات والفيتامينات ومضادات الأكسده – لها القدرة على تربية الحضنه وخروج النحل البالغ.
ويجب البدء في التغذية البروتينية في آخر موسم جمع حبوب اللقاح وقبل إنتهاءه، وذلك ليتوفر تعداد مناسب من النحل لإستهلاك تلك التغذية ويكون قادرا على تربية الحضنة، وبالتالي نحصل على جيلين من النحل على الأقل في نهاية الخريف يكون صغير السن، وبه محتوى عالي من البروتين، وهو ما ينتج عنه العبور بطوائف النحل إلى بر الأمان في موسم الشتاء، ويكون قادرا على بداية موسم نشاط مبكر في الربيع التالي.
وعملية التغذية البروتينية سواء ببدائل حبوب اللقاح أو مكملاتها، عملية غاية في الأهمية في الوقاية من الأمراض المختلفة التي تصيب نحل العسل، إذ أن المسببات المرضية عادة ما تكون متواجدة طوال العام في جو الطائفة، ولكن لا تظهر تلك الأمراض إلا في حالة حدوث حالة من حالات الإجهاد للنحل، وأهم حالات الإجهاد للنحل هو الفقر الغذائي وخاصة فيما يتعلق بالتغذية البروتينية، والتي هي المسئولة عن طول العمر، والقدرة المناعية، والميكروبات النافعة في معده النحل والتي هي المسئولة عن المساعدة في هضم الغذاء، بالإضافة إلى أن هذه الميكروبات الدقيقة لها دور كبير في صد وتضاد الإصابة بالمسببات المرضية خاصة الفطرية والبكتيرية، كما أن التغذية البروتينية تساعد في تحمل التسمم بالمبيدات للنحل لتأثيرها الإيجابي على الأنزيم المسئول عن تكسير المبيدات.
ولقد عمدت في هذه المقالة إلى عدم ذكر إستخدام علاج معين ضد أي من أمراض النحل، وذلك محاولة لتغيير من ثقافة إخواني النحالين والتحول من إستخدام المركبات خاصة الكيميائية منها في علاج الأمراض إلى ثقافة الممارسات النحلية الجيدة والتربية للوقاية من الأمراض.
ونسأل الله التوفيق لما فيه نهضة وتطوير صناعة تربية النحل ورفعة وطننا الغالي.
أ.د/ محمد فتح الله عبد الرحمن
رئيس قسم بحوث النحل – معهد بحوث وقاية النباتات
زميل كلية الدفاع الوطني – أكاديمية ناصر العسكريه العليا
اقرأ أيضا
اشتراطات وخطة مكافحة “الدودة القارضة” على محصول الفراولة
محصول المانجو.. خطة التعامل مع “التزهير المبكر” واشتراطات “التطهير والرش الحشري”
قواعد تحجيم الموالح وعلاقتها بعملية التقليم وحقيقة استخدام الهرمونات
لا يفوتك
دور الارشاد الزراعي في مواجهة التحديات وزيادة الانتاجية الزراعية