بدأ عام 2024 بوعود وفرص كثيرة للعمل المناخي العالمي مدفوعة بالوعود والاتفاقيات التى قُدمت فى مؤتمر الأمم المتحدة للتغير المناخى الثامن والعشريين وما بعده من إجتماعات دولية او إقليمية، ولكن لا يزال هناك المزيد من التحديات التى يتعين على المجتمع الدولى قاطبةً مواجهتها وعدم غض الطرف عنها. وكما كان متوقعًا فإن عام 2023 هو العام الأكثر سخونة على الإطلاق منذ منتصف القرن التاسع عشر، كما وأكد ختام أول تقييم عالمي لحالة المناخ (Global Stocktake) أن العالم بعيد كل البعد عن التزاماته بمعالجة تغير المناخ والحد بسرعة من انبعاثات الغازات المسببة للاحتباس الحراري.
ويُعد التقييم العالمى(Global Stocktake) الذى تم فى نهاية عام 2023 مكونًا أساسيًالاتفاق باريس للتغيرات المناخية ويُستخدم لمراقبة التنفيذ وتقييم التقدم الجماعى المُحرز فى تَحقيق الأهداف المُتفق عليها. وبالتالي فإن التقييم العالمي يَربط تنفيذ المساهمات الوطنية المُحددة بالأهداف الشاملة لاتفاق باريس ويَهدف فى نهاية المطاف إلى زيادة الطموح المُتعلق فى مجال المناخ.
ومن خلال متابعة الالتزامات الثمانين التى تَتَضمن حلولاً قائمة على الطبيعة فى المساهمات المحددة وطنيا يتضح أن 45% من الالتزامات لا تظهر سوى تقدم ضئيل أو لا تظهر أي تقدم على الإطلاق فى الفجوة الحالية للمناخ.
ورغم أن مؤتمر الأطراف الثامن والعشرين بدولة الإمارات حقَقَ مكاسب كبرى فى مجال الشمول التكنولوجي والتعهدات بتَوسيع نطاق التكنولوجيات الرئيسية، إلا أن ثمار هذه الاتفاقيات وقدرة العالم على العودة إلى المسار الصحيح سوف تَعتمد على التخطيط الفعال والتمويل والتنفيذ. وقبل انعقاد مؤتمر الأطراف التاسع والعشرين في أذربيجان فى نوفمبر المقبل سوف تحتاج البلدان والأقاليم إلى ثلاثة أشياء فى غاية الأهمية.
أولهما حشد عمليات تخطيط وتمويل جديدة للعمل المناخى فى ظل هذه التحديات الجيوسياسية والاقتصادية والأمنية التى يَشهدها العالم. وسوف تَستضيف دولة أذربيجان الدورة التاسعة والعشرين من مؤتمر الأطراف التابع للاتفاقية الإطارية للتغيرات المناخية، لتكون بذلك الدولة النفطية الثانية على التوالى التى تَستضيف المؤتمر مع الأخذ فى الإعتبار ما تَشهده أذربيجان من التعقيدات الجيوسياسية (المحددات التى تُؤثر فى سياسات الدول) باعتبارها دولة مصدرة رئيسية للغاز إلى أوروبا (مع مضاعفة صادراتها بحلول عام 2027) ومستوردة للغاز الروسى (لتعزيز الانتاج المخلى والوفاء بالعقود التصديرية) مع كونها دولة فى خِضم صراعها الإقليمى مع أرمينيا.
ثانياُ.. فهم التمويل ومواجهة العجز (فجوة التمويل المناخى)
أصبح التكيف مع المناخ أكثر تكلفة مع ارتفاع وتيرة تَغير المناخ، حددت اتفاقية باريس وجوب تقديم المساعدة المالية من قبل الدول المُتقدمة إلى الدول النامية فيما يتعلق بأعمال التخفيف والتكيف ونقل التكنولوجيا وبناء القدرات، حيث قَامت بتحديد هدف جماعى يتمثل فى تعبئة ما لا يقل عن 100 مليار دولار أمريكي سنويًا حتى عام2025.
ومما لا شكَ فيه أن التمويل هو الكلمة الطَنَّانَةٌ قبل مؤتمر الأطراف التاسع والعشرين- والذى يُطلق عليه بالفعل “مؤتمر الأطراف المالى” إلا أن بعض التحديات التى تواجه تمويل المناخ لا تزال مُستمرة وبعض الأدوات المالية التي غالبًا ما يتم الترويج لها لا تفى بالغرض المطلوب، وعدم وجود آلية مُناسبة لقياس تدفقات تمويل المناخ العامة والخاصة وتَعدد طرق حساب التمويل وغياب عدالة التوزيع بين الدول والمناطق الجغرافية المختلفة، واستحواذ أنشطة التخفيف على النسبة الأكبر من التمويل مقابل انخفاض النسبة الموجهة لأنشطة التكيف وانخفاض كفاءة توزيع التمويل بين القطاعات المختلفة وفقًا لألولويات الوطنية للدول النامية.
تَشغيل صندوق الخسائر والأضرار وتَعهدات بقيمة 700 مليون دولار تقريبًا لملء الصندوق كانت أحد العناوين الرئيسية لمؤتمر الأطراف الثامن والعشرين بدولة الإمارات، وُتقدر فجوة تمويل المناخ العالمى بما يتراوح بين 4.5 إلى 10 تريليون دولار سنويًا.
وتُشير التقديرات إلى أن الاقتصادات الناشئة والنامية ستَحتاج إلى ما لا يَقل عن ضعف أو أربعة أمثال حجم الاستثمار فى الطاقة النظيفة مقارنةً باليوم، وهو تَقدير لا يَشمل احتياجات التكيف أو أهداف التنمية الأخرى.
ثالثاً: الخلافات والتحالفات والإندماجات الجديدة
فى عالم يَزداد انقسامًا سيكون تَحقيق المزيد من التقدم فى أسابيع المناخ الإقليمية وفى الشراكات الثنائية والثلاثية أمرًا حاسمًا لتعزيز العمل المناخى.
إن تردد دولتى الصين والهند فى التوقيع على تعهد الطاقة المتجددة ثلاث مرات فى مؤتمر المناخ ــ والموافقة في النهاية على إضافته إلى الاتفاق المُتفاوض عليه على الرغم من كونهما أكبر مُنتج لتقنيات الطاقة المُتجددة فى العالم والتزامهما بالفعل بتوسيع نطاق الطاقة المُتجددة على نطاق واسع يُشير إلى التعقيد الجيوسياسي المُتزايد للاتفاقيات المُتعددة الأطراف.
إن أسابيع المناخ الإقليمية سوف تُصبح بنفس أهمية مفاوضات مؤتمر الأطراف لأنها قادرة على تيسير التخطيط لتنمية الطاقة الإقليمية وتعزيز التعاون والعمل على المستوى الذي يمكن تحقيقه. إن السعى إلى الإجماع على الطموح أمر صعب بما فيه الكفاية أما الإجماع على العمل فهو أمر يكاد يكون مستحيلاً.
قد يكون عام 2024 عامًا تاريخيًا للعمل المناخي إذا استمرت هذه التحولات.فى مجال الطاقة، قد يؤدي انتعاش الطاقة النووية إلى جعل شبكة الطاقة النظيفة على مدار الساعة طوال أيام الأسبوع ونظام الطاقة الخالى من الكربون في متناول اليد وموضع التركيز، ومن جهة أخرى يمكن للاستثمارات في الحد من غاز الميثان أن تُبطئ من انبعاث غازات الإحتباس الحرارى العالمى على الفور.
إن الطموح المتزايد والاستثمارات فى تكنولوجيات إدارة الكربون من شأنها أن تجعل عالماً خالياً من الانبعاثات الصافية ممكناً من الناحية الفنية على المدى الطويل. ومن الممكن أن يؤدي نموذج جديد للعمل المناخي الدولي ــ يضم أصواتاً وقادة أكثر تنوعاً، وشراكات قطاعية وإقليمية عملية، ومن الممكن أن نموذجًا دوليًا جديدًا للعمل المناخي ــ يضم أصواتا وقادة أكثر تنوعا، وشراكات للقطاعات المختلفة للإقتصاد وشراكات إقليمية، واعترافًا بأن المناخ يشكل أولوية سياسية اقتصادية وأمنية من شأنه أن يُمهد الطريق أمام انتقال دائم وعادل نحو نظام طاقة أكثر وفرة ونظافة وسهولة فى الوصول إليه.
وفى الختام تُؤثر التغيرات المناخية على السياسات المالية والنقدية للدول حيث تحتم تلك التداعيات ضرورة التحوّل نحو اقتصاد أخضر منخفض الكربون، ويترتب على ذلك التحول عدد من الآثار المالية والإقتصادية تُعرف بمخاطر الإنتقال.
مقال
ا.د/ عاصم عبد المنعم أحمد محمد
استاذ إقتصاديات التغيرات المناخية
المعمل المركزى للمناخ الزراعى- مركز البحوث الزراعية
اقرأ أيضا
اشتراطات وخطة مكافحة “الدودة القارضة” على محصول الفراولة
محصول المانجو.. خطة التعامل مع “التزهير المبكر” واشتراطات “التطهير والرش الحشري”
قواعد تحجيم الموالح وعلاقتها بعملية التقليم وحقيقة استخدام الهرمونات
لا يفوتك
دور الارشاد الزراعي في مواجهة التحديات وزيادة الانتاجية الزراعية